فصل: كتاب الشركة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الوكالة

وفيه ثلاثة أبواب‏:‏

الأول في أركانها

وهي أربعة‏:‏

الركن الأول‏:‏ الموكِّل، وفي الجواهر‏:‏ كل من جاز له التصرفُ لنفسه، فإنه يجوزُ له الاستنابةُ، وأصل هذا الكتاب قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فابْعَثوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هذه إلى المدينة‏)‏ وهذه وكالة، وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فأَشْهِدُوا عَلَيهم‏)‏ وفي أبي داود أنه عليه السلام أمر رجلاً أن يشتري له أضحية بدينار، فاشترى له شاتين بدينار، وباع واحدة بدينار، وأتاه بشاة ودينار، فدعا له عليه السلام بالبركة‏.‏

الركن الثاني‏:‏ الوكيل‏.‏ في الجواهر‏:‏ مَنْ جاز له أن يتصرف لنفسه في الشيء جاز له أن يَنُوب فيه ‏(‏عن‏)‏ غيره إذا كان قابلاً للاستنابة إلا أن يمنع مانع‏.‏ فقد منع في الكتاب من توكيل الذمي على مسلم، أو بيع، أو شراء، أو استئجار، أو يُبضع معه، وكرهه ولو كان عبداً له‏.‏ قال الإمام‏:‏ أبو عبد الله‏:‏ وما ذلك إلا أنه قد يٌغلظ على المسلمين إذا وكِّل عليهم قصداً لأذاهم، فيحرم على المسلم إعانتُه على ذلك‏.‏ قال الإمام‏:‏ أما البيع، والشراء، فلِيَلا يأتيه بالحرام، ولهذا منع الذمي عاملاً ليلاً يعامل بالربا، وبما لا تحلُّ المعاوضةُ به‏.‏ قال محمد‏:‏ فإن نَزَلَ هذا تصدّق المسلم بالربح‏.‏ قال الإمام‏:‏ وهذا الذي قاله محمد إنما يتخلص مما يتخوف من الحرام بأن يكون ما فعله الذمي من الربا فيتصدق بما زاد على رأس المال لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وإن تُبتُم فلكم رءوس أموالكُم لا تََظلِمون ولا تُظلمون‏)‏‏.‏ قال‏:‏ وأما الواقع بخمر، أو خنزير، وأتى الموكل بثمن ذلك فيتصدق بجميعه؛ لأنه كله ثمن خمر، فهو حرامٌ كلُّه، وفي الربا إنما تحرم الزيادة‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ من الموانع العداوةُ، فلا يُوَكَّلُ العدو على عدوه‏.‏ وبقية فروع هذا الركن تقدمت في الركن الأول في البيع‏.‏

الركن الثالث‏:‏ ما فيه التوكيل‏.‏ في الجواهر‏:‏ له شرطان‏:‏ الشرط الأول‏:‏ قال أن يكون قابلاً للنيابة، وهو ما لا يتعين بحكمه مباشرة كالبيع، والحوالة، والكفالة، والشركة، والوكالة، والمصارفة، والجعالة، والمساقاة، والنكاح، والطلاق، والخلع، والسلم، وسائر العقود، والفسوخ دون العبادات غير المالية منها كأداء الزكاة، والحج على خلاف فيه، ويمتنع في المعاصي كالسرقة، والقتل العُدْوان، بل تلزم أحكامُ هذه متعاطَِيها، ويلحق بالعبادات الأيمانُ، والشهادات، واللعان، والإيلاء، ويلحق بالمعاصي الظهار؛ لأنه منكر، وزور‏.‏ ويجوز التوكيل بقبض الحقوق، واستيفاء الحدود، والعقوبات، وفي الخصومات في الإقرار، والإنكار بِرِضَى الخصم، وبغير رضاه في حضور المستحٍقّ، وغيبته‏.‏

تمهيد‏:‏

الأفعال قسمان‏:‏ منها ما لا تحصلُ مصلحتُه إلا للمباشر، فلا يجوز التوكيل فيها لِفوات المصلحة بالتوكيل كالعبادة، فإن مصلحتها الخضوعُ، وإظهار العبودية لله تعالى، فلا يلزمُ من خضوع الوكيل خضوعُ الموكِّل، فتفوت المصلحة‏.‏ ومصلحة الوطء الإعفاف، وتحصيل ولد ينتسب إليه‏.‏ وذلك لا يحصل للموكل بخلاف عقد النكاح؛ لأن مقصوده تحقق سبب الإباحة، وقد تتحقق من الوكيل‏.‏ ومقصود اللعان، والأيمان كلها إظهار دليل الصدق فيما ادعى، وحلِفُ زيدٍ ليس دليلاً على صدق عمرو، وكذلك الشهادات مقصودها الوثوق بعدالة المتحِّمل، وذلك فائت إذا ادعى غيره‏.‏ ومقصود المعاصي إعدامُها، وشَرْعُ التوكيل فيها فرْعُ تقريرها‏.‏ فضابط هذا الباب متى كان المقصود يحصلُ من الوكيل كما يحصل من الموكِّل جازت الوكالة، وإلا فلا‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ لو قال لوكيله قِرَّ عني لفلان بألف، فهو مُقِرٌّ بهذا القول‏.‏ قال المازري‏:‏ استقراؤه من نص بعض الأصحاب‏.‏

الشرط الثاني‏:‏ قال أن يكون ما به التوكيل معلوماً بالجملة نُصَّ عليه، أو دَخل تحت عموم اللفظ، أو عُلم بالقرائن، أو العادة‏.‏ فلو قال‏:‏ وكَّلْتُك، أو فلان وكيلي لم يَجُزْ حتى يقول بالتفويض، أو بالتصرف في بعض الأشياء؛ لأنه عقدٌ يفتقر إلى الرضى فينافيه الجهل المطلق كسائر العقود‏.‏ ولو قال‏:‏ وكّلتك بمَا لِي من قليل، وكثير جاز، واسترسلت يد الوكيل على جميع الأشياء، ومَضَى فعله فيها إذا كان نظراً؛ لأنه معزول عن غير النظر عادة إلا أن يقول له‏:‏ افعل ما شئت كان نظراً أم لا؛ لأنه حقه، فلا يتصرف فيه إلا بإذنه، وأما إن قيَّد ببعض الأشياء دون بعض اتُّبع مقتضى اللفظ، أو العادة، ولو قال‏:‏ اشترِ لي عبداً جاز، أو عبداً تركياً بمائة، فأولى بالجواز لذكر النوع، والثمن‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ التوكيل بالإبراء لا يستدعي علم الموكِّل بالمبلغ المبرأ عنه، ولا علم الوكيل، ولا علم من عليه الحق؛ لأن مقصود رضى الوكيل علم ما يشبه الموكل من العلم إجمالاً، وذلك حاصل حينئذٍ‏.‏ ولو قال‏:‏ بع بما باع به فلان فرسه، والعلمُ بما باع به فلان فرسه مشترطٌ ليجتهد إلى تلك الغاية‏.‏ ولو قال‏:‏ وكلتك لِمخاصمة خصمِ جازَ، وإن لم يعينه؛ لأن المخاصمة لا يعلم غايتها، فاعتبر جنسُها خاصة‏.‏

فرع‏:‏

قال علي البصري في تعليقه‏:‏ يصح التوكيل على الخصم، وإن لم يرضَ، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ كذلك إن غاب، وإن حضر اشترط رضاه؛ لأنه يقول للموكّل لم أرض إلا بمقالتك‏.‏ وجوابه أن علياً وكّل عقيلاً عند عمر رضي الله عنه ليخاصم عنه، وقال‏:‏ هذا عقيلُ أخي ما قُضي له فلي، وما قُضي عليه فعليّ‏.‏ ولأن الموكِّل قد يعجز عن الحجاج مع الحاضر، وربما كان ممن تشينه الخصومات لعلو منصبه، وقد قال علي رضي الله عنه‏:‏ من بالغ في الخصومة أثم، ومن قصَّر فيها خصم‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ لا يُقبل قول الوكيل في قبض الحق الذي وكل في قبضه، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يقبل على تلفه؛ لأنه أمينه‏.‏ وجوابه أنه وكَّله على القبض دون الإقرار، ولو وكّله على القبض وأبرأ لم يصحّ، فكذلك هاهنا بجامع عدم التوكيل‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ ولو وكّله بالبيع لم يصح إبراؤه، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يصحّ ويغرم الوكيل للموكِّل؛ لأنه أقامهُ مقامه‏.‏ وجوابه إنما أقامه في هذا خاصة دون الإبراء‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا باع بما لا يتغابن الناس به رُدِّ، وقاله ‏(‏ش‏)‏ لعزله عن ذلك عادة، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يصح؛ لأن اسم البيع يتناولُه؛ لأنه أعم‏.‏ وجوابه عموم مقيد بالعادة‏.‏ وكذلك منع مالك، و‏(‏ش‏)‏ بيعه بالدين، وجوزه ‏(‏ح‏)‏ من الإطلاق‏.‏ وجوابه ما تقدم‏.‏

الركن الرابع‏:‏ الصيغة، وما يقوم مقامها في الدلالة‏.‏ قال في الجواهر‏:‏ ولا بد من القبول، فإن تراخى زماناً طويلاً يتخرج على القولين في تخيير المرأة إذا قامت ولم تختر في المجلس‏.‏ قال‏:‏ والتحقيق في هذا يرجع إلى العادة هل المقصود من هذا اللفظ جوابه على الفور أم لا‏.‏ في الجواهر‏:‏ حكم الوكالة اللزوم من الجانبين إذا كانت بغير أُجرة‏.‏ قاله أبو الحسن، وقيل اللزوم من جانب الموكِّل‏.‏ قاله بعض المتأخرين بناءً على لزوم الهبة، وإن لم تقبض، وبالأجرة لازمة من الطرفين؛ لأنها إجارة‏.‏ ويجب أن يكون العمل معلوماً كما في الإجارة، وإن كانت على سبيل الجعالة، ففي اللزو م ثلاثة أقوال‏:‏ اللزوم من الطرفين، وعكسه، ومن جهة الجاعل فقط، وإذا فرَّعنا على الجواز فينعزلُ بعزل الموكِّل إياه في حضرته ما لم يتعلق بوكالته حقّ كما إذا نشب معه في الخصومة، أو وكله في قضاء دين عليه‏.‏ وهل ينعزل قبل بلوغ الخبر إليه‏؟‏ رِوايتان‏.‏ وينعزل ببيع العبد الموكِّل في بيعه، وبإعتاقه، وينعزل بعزله نفسَه في حضور الموكِّل، وغيبته على القول بالجواز، وقيل ليس له ذلك في غيبته‏.‏ وينعزل بموت الموكِّل، وقال مطرف‏:‏ وإن كان مفوضاً إليه، فهو على وكالته حتى يعزله الورثة‏.‏ وإذا فرَّعنا على الأول فمتى يُعتبر العزل في حق مَنْ عامله‏؟‏ أقول، حالة الموت، حالة العلم، فمن علم انتسخ في حقه دون من لم يعلم‏.‏ والقولان بناء على النسخ في الشرع هل حين النزول، أو البلوغ قولان للأصوليين، فالموت كالنزول‏.‏ القول الثالث‏:‏ على الوكيل خاصة فينتسخ بعلمه لا بعلم الذي يعامله لكن من دفع إليه شيئاً بعد علمه بعزله؛ لأنه دفع إلى من يعلم أنه ليس بوكيل، وفي النوادر‏:‏ إذا مات الباعث بالبضاعة قبل وصولها إن كان للرسول بينة بالإرسال فعليه دفعها، وإلا فلا حتى يصدقه ورثة الباعث، ويكون شاهداً للمبعوث إليه‏.‏ وإن كان المبعوث إليه صلة، أو هدية رُدت للورثة لبطلانها بالموت قبل القبص إلا أن يكون قد أشهد عليها عند الإرسال‏.‏ ولو مات المبعوث إليه قبل خروج الصلة من يد الباعث بطلت أشهد أم لا‏.‏

نظائر‏:‏ قال أبو عمران‏:‏ خمسة عقود على الجواز دون اللزوم‏:‏ الوكالة، والجعالة، والمغارسة، والتحكيم، والقراض‏.‏

الباب الثاني في أحكامها

وفي الجواهر‏:‏ حكمها صحة ما وافق من التصرفات، وفساد ما خالف اللفظ، أو العادة مما يعود بنقص، وأما يعود بزيادة، فقولان بَنَاهما أبو الطاهر على شرط ما لا يُفيد هل يلزم الوفاءً به، أو لا‏.‏ وله البيع، والشراء من أقاربه إذا لم يجاب، ولا يبيع من نفسه لخروجه عن اللفظ عادة، وكذلك ولده، أو يتيمه، وقيل له ذلك‏.‏ وحيث قلنا له ذلك بمطلق الإذن، أو أُذن له فيه، فإنه يتولى طرفي العقد إذا باع، أو اشترى من نفسه، أو ولده الصغير، أو يتيمه كا يتولى ابن العم طرفي عقد النكاح، وتولَّى مَنْ عليه الدين استيفاءَهُ من نفسهِ بالوكالة، وكذلك الوكيل من الجانبين في عقد النكاح، والبيع‏.‏ ومهما عُلم أن الشراء للموكل، فالمُلْك ينتقل للموكَّل لا إلى الوكيل‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ لا يسلّم المبيع قبل توفية الثمن، فإن سلم، ولم يُشهِد، فجحد الثمن ضمنه لتغريره‏.‏ ويملك المطالبة بالثمن، والقبض؛ لأنه من توابع البيع، ويقاص الوكيل، والشركاء، ويملك قبض المبيع‏.‏ وأما مطالبتهما بالثمن، فإن لم يبين أنه وكيل طولب بتسليم الثمن، أو المُثْمَن، وكانت العهدة عليه، وإن بَيَّن أنه وكيل، وتبرأ من الثمن أو المُثْمَن لم يكن له أداء، ولا عهدة، وإن صرّح بالالتزام لزمه ما صرّح بالتزامه، وثمن ‏(‏ما‏)‏ لم يصرح بأَحد الأمرين‏.‏ فإن كان العقد على شراء بنقد، أو بيع بِهِ، فالمنصوص في المذهب مطالبتُه بالثمن، والمثمون‏.‏ وفي النوادر‏:‏ عن مالك إذا أبضَع معه سلعة ليدفعها لرجل فعليه الإشهاد على الدفع‏.‏ وإلا ضمِن إن أنكر القابض‏.‏ ولو اشترط عدم الإشهاد نفعه شرطه إلا أن يحلف، فإن اشترط عدم الحلف بطل الشرط؛ لأن الأحداث تحدُث، والتهم تتجدد بخلاف الإشهاد‏.‏ وقال عبد المالك‏:‏ يُصدّق، ولا إشهاد عليه على الدفع إلا أن يقول الآمرُ له اقْضِ هذا عني فلاناً، فهو ضامن إن لم يُشهد؛ لأنه وكّل إليه القضاء، والقضاءُ لا يكون إلا بالإشهاد‏.‏ قال مالك‏:‏ فلو قال المبعوث إليه قبضتها، وضاعت مني ضمِن الرسول لِتعدِّيهِ بترك الإشهاد‏.‏ قال محمد‏:‏ إلا أن يكون ديناً للمبعوث إليه على المرسل فيبرأُ الباعث إليه، والرسول، ولا ينتفع الرسول بشهادة المبعوث إليه؛ لأن له عليه اليمين على ضياعها‏.‏ فلو جازت شهادته لم يحلف‏.‏ وكذلك إن لم يُشهد في دفع الثوب للقصَّار ضمِن‏.‏ قاله سحنون‏.‏ وفي الموازية إن بعث بالثمن، فأنكره البائع حلف الرسول، وبرئ‏.‏ ولا يبرأ المشتري إلا ببينة‏.‏ قاله مالك‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا اشترى بِثَمَنِ المِثْل وجهل العيب وقع عن الموكِّل، وللوكيل الردُّ على ضمانه بمخالفة الصفة، وإن علم وقع عنه، ولم يُرَد لرضاه‏.‏ وإن كان العيب يسيراً، واشتراها بذلك نظراً للآمر لزم الآمر‏.‏ وإن كان بغير علم فعلم لم يقع عن الموكل، ولو جهل وقع عنه، ومهما جهل الوكيل، فله الردُّ إلا إذا كان العيب عيناً من جهة الموكل، فلا رد للوكيل‏.‏ وقال أشهب‏:‏ الموكل مقدم، فإن كانت السلعة غير معينة، فله الرد بعد استرجاع الوكيل لها إذا لم يُمض رده‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ إلا أن يكون وكيلاً مفوضاً، فله الرد والقبول في جميع ما ذكرناه على الاجتهاد من غير محاباة‏.‏ وحيث يكون الوكيل عالماً فلا ردَّ له، ولا يلزم الموكّل إلا أن يكون العيب يسيراً، فإن كان كثيراً ألزمها الوكيل للموكل إن شاء‏.‏

فرع‏:‏

في النوادر‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إن وكّلك في دين، فادَّعَى المطلوبُ دفع بعضه لربّه لا يُسمع ذلك إلا ببينة، فإن قبضت منه الجميع ثم قَدِمَ الطالبُ، فأقرّ رجع المطلوب عليه لتفريطه في عدم إخبارك بما قبض‏.‏ ولو قال المطلوب اكتبوا للطالب، فإن صدَّقني برئت لا يسمع منه‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ متى توجهت اليمين على وكيل، أو وصيّ في اختلاف ثمن مبيع، أو وفاء دَيْن في يمين مردودة، فلم يحْلفْ ضَمِن لتعدِّيه بالنكول، وعليه أن يحلف مع شاهدٍ إن أَقامه‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ وللمبتاع تحليفُه في العيب يَدَّعي حدوثَه‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا أسلفته ديناراً، فرده لأمرٍ كرهه، فقلت له ادفعه لفلان، فتلِف ضمِنه إن كان لم يردّ إليه، وإن كان رده فلا؛ لأنه وكيل أمين‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال ابن عبد الحكم‏:‏ إذا عرف الذي عنده الدين، أو الوديعة أن هذا حظك، وأمر بالدفع والتسليم لوكيلك لم يلزمه الدفع؛ لأنه لا يبرأ بذلك‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ يتصرف بغير مُعِين، ولا يوكِّل إذا كان ممن يلي ذلك عادة إلا أن يأذن له‏.‏ ولو وكّله في تصرفات كثيرة، وأطلق فيه التوكيل إن علم عجزه عن الانفراد بها ثم لا يوكِّل إلا أميناً عارفاً بالمصلحة‏.‏

فرع مرتب

قال‏:‏ إذا وكّل بإذن الموكّل ثم مات الموكَّل‏.‏ قال المازري‏:‏ الأظهر أن الثاني لا ينعزل بخلاف انعزال الوكيل الأول بموت الموكل الأول؛ لأن توكيل الوكيل الأول كتوكيل موكِّله؛ لأن تصرفه لازمٌ له كتصرفه بنفسه‏.‏ وقع لابن القاسم ما يُشير ظاهُره إلى ذلك، وهو إمضاء تصرف من أبضع أحد الشريكين بعد مفاصلتهما‏.‏

فرع‏:‏

في الجلاب‏:‏ إذا باع الآمر، وباع الوكيل، فأول البيعتين أحق لمصادفته قبول المحل بخلاف ما بعده إلا أن يقبض الثاني السلعة، فهو أحق كإنكاح الوليين‏.‏ وفي شرح الجلاب‏:‏ هذا هو المشهور، وعن ابن عبد الحكم الأول أحق مطلقاً؛ لأن الثاني إنما قبض مِلكَ غيره‏.‏ والفرق أن النكاح كشفته عظيمة، فلذلك جعل الثاني إذا دخل مفوِّتاً، وامتهان الحرائر ضرر مع الرد بخلاف الشفعة‏.‏

فرع‏:‏

في النوادر‏:‏ أبضع معه جماعة لشراء رقيق، فخلطها، واشترى لهم رقيقاً، وأعطى كل إنسان بقدر بضاعته، وأعطي لواحد مريضةً اشتراها كذلك، فهلكت، وأقرَّ بما صنع ضمن إذا لم يكن في أصل شرائه لكل واحد رأساً بعينه‏.‏ وإن قال‏:‏ اشتريتها لصاحبها مفردة صُدِّق مع يمينه‏.‏ وقال سحنون‏:‏ لا يحلف، ولا يضمن الآخرون في المريضة شيئاً‏.‏ قال مالك‏:‏ ولوأمروه بشراء طعام، فجمع ما لهم في شراء الطعام لا يضمن ما هلك، وكذلك كل ما ينقسم بالكيل، أو الوزن له شراؤُه مشاعاً ثم يقسمه للتفاوت في ذلك، ويضمن ما ينقسم بالقيمة بخلاف العامل في القراض يخلط أموال المقارضين؛ لأن له البيع بخلاف هذا‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ لو قال له‏:‏ بعْ من زيدٍ لم يبع من غيره‏.‏ وكذلك لو خصَّص زماناً، أو سوقاً تتفاوت فيه الأغراض أو ثمناً، فله البيع بما فوقه دون ما دونه؛ لأن العادة الرضى بذلك بطريق الأَوْلَى‏.‏ ويُخَيَّر الموكِّل في الأدنى؛ لأنه كبيع فضولي، أو فسخِه‏.‏ فإن فسَخَ والسلعةُ قائمة أخذها، وقيل له أن يطالبه بما سمَّي من الثمن، أو فاتت طالَبَهُ بالقيمة إن لم يُسمِّ ثمناً، فإن سمَّى فهل له مطالبته بما سَمَّى، أو بالقيمة قولان مبنيان على الخلاف فيمن أتلف سلعةً وقَفَت على ثمن‏.‏ وهذا في ما عدا الرِّبويَّات، فإن كان العقد على ربوي بربوي كعين بعين، أو طعام بطعام، فهل له أن يرضى بفعله‏؟‏ قولان مبنيان على الخلاف في الخيار الحكمي هل هو كالشَّرطي أم لا‏؟‏

ولو قال الوكيل‏:‏ أنا أُتم ما نَقَصَت، فهل له ذلك، ويمضي البيع‏؟‏ قولان مبنيان على أن ذلك مقصود الآمر، وقد حصل، أو هو مُتَعدٍ في البيع، فلا يُلتفت إلى قوله، ويجب الرد، ولو قال‏:‏ اشتر بمائة، فله الشراء بما دونها لا بما فوقها إلا اليسير المعتاد كالثلاثة في المائة، ونحوه‏.‏ ويُقبَل قوله في ذلك قبل تسليم السلعة، أو قرب التسليم بخلاف إذا طال الزمان‏.‏ فإن كان زاد كثيراً خُيِّرَ المُوكِّل في الإمضاء، وتركِ السلعة له‏.‏

ولو قال‏:‏ بع بمائة نسيئة، فباع بمائة نقداً، أو اشتَرِ بمائةٍ نقداً، فاشترى بمائة نسيئة لَزِمَ الآمر‏.‏ قاله الشيخ أبو محمد، وقال‏:‏ خالفني فيها أبو بكر ابن اللبّاد، واحتججتُ عليه بأن المبتاع لو عَجَّلَ الثَمن المُؤجل لزم القبول‏.‏

ولو قال‏:‏ بعْ بالدنانير، فباع بالدراهم، أو بالعكس، ففي اللزوم قولان بِناءً على أنهما كنوع واحد، أو كنوعين، ولو سلَّم له ديناراً يشتري به شاةً، فاشترى به شاتين، وباع إحداهما بدينار، وردّ الدينار، والشاة صح عقد الشراء والبيع، ولزم بإجازة الملك للحديث المتقدم، ولأنه أصلُنا في تصرُّف الفضولي‏.‏

ولو قال‏:‏ بع بعشرة، فباع بعشرة من غير اجتهاد، فقولان بناءً على حصول المسمَّى، أو المقصود أن لا تنقص العشرة، وأن يجتهد في الزّائد‏.‏ قال بعض المُتأخرين‏:‏ ولو ظهر أحد القصدين ارتفع الخلاف‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ الوكيل بالخصومة لا يقر على موكّله‏.‏ كما لا يُصالِحُ، ولا يُبرئ إلا أن يأذن له في ذلك كما تقدم، ولا يشهد لموكّله قبل الشروع فيها، وإن شرع لم يوكّل تنجيزاً لِرفع ظلم المعتدي إلا أن يخاف من خصمه استطالةً بسبب ونحوه فيجوز للضرورة‏.‏ ولا يعزل الوكيل حيث وكِّل بعد الشروع في الخصومة تنجيزاً لرفع العدوان، فإن أحد الخصمين ظالم‏.‏ والمنكَرُ والفساد تجب إزالته على الفور‏.‏ وقال أصبغ‏:‏ له عزلُهُ ما لم تشرف حجته؛ لأن الأصل مباشرته لنفسه‏.‏ قال ابن رشد‏:‏ وإذا لم يكن له عزله لم يكن له هو عَزلُ نفسه‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا وكّل رجلين لِكل واحد الاستبدادُ إلا أن يشترط الاجتماع؛ لأن الأصل عدم الشرط‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ وكما لا يُفتَقَر إلى حضور الخصم في عقد الوكالة لا يُفتَقر إلى إثباتها عند الحاكم‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إن سلّم إليه أَلفاً، وقال‏:‏ اشتَرِ بعينه شيئاً، فاشترى في الذِّمَّة، ونقد الألف صح‏.‏ وكذلك لو قال‏:‏ اشترِ في الذّمة، وسلِّم الألف، فاشترى بعينه، وأولى بالصحة‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ مهما خالف في البيع وقف على إجازة الموكّل، ورده، ومهما خالف في الشراء وقع عن الوكيل إن لم يرض الموكِّل‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ الوكيل أمينٌ في حق الموكل، فلا يضمن إلا بالتعدي، أو التفريط كان وكيلاً بِجُعْلٍ أم لا‏.‏ ثم إن سلَّم إليه الثمن، فهو مطالبٌ به مهما وكِّل بالشراء، فإن لم يسلِّم إليه الثمن، وأنكر البائع كونه وكيلاً طالبه، وإن اعترف بوكالته، فليس له مطالبتهُ‏.‏ ثم حيث طولب الوكيلُ رجع على الموكِّل‏.‏ ولو وكل بشراء عبد فاشتراه، وقبضه، فتلف في يديه، أو استحق، فالمستحق يطالب الموكل‏.‏ وكذلك الوكيل بالبيع إذا قَبَض الثمن، وتلِف في يده فاستُحِق المبيعُ رجع المشتري على الموكّل دون الوكيل‏.‏ وفي الجلاب‏:‏ إذا دفع له الثمن لمعين، فضاع منه بعد أن عقد عليه، فضاع لزمه دَفع غيره مراراً حتى يصل إلى البائع‏.‏ ولو دفع الموكَّل الثمن قبل الشراء، فضاع بعد الشراء لم يُعطِ غيره إن امتنع، ويلزم الوكيل السلعة، وعليه الثمن؛ لأنه مالٌ معين ذَهَبَ، ولم يتناول العقدُ غيره‏.‏

فرع‏:‏

في النوادر‏:‏ دَفَعَ إليك أربعين لتشتري بها رأسين، وتبيعهما، وتحرز رِبحهما، وآخر دفع ثمانين لتشتري رأساً، وتبيعه، وتحرز الفضل، فاشترى لكل واحد ما أمره، وباع رأساً بمائة، وآخر بستين، وآخر بأربعين، ولم يدرِ لمن كان الرقيق منهما، وتداعَيَا الأرفع، قيل يضمن مائةً لكل واحد منهما بعد أيمانهما، ويقال لصاحب الرأسين أيّهما لك فيحلفُ، ويأخذه، وقيل لا يضمن، ويتحالفان على المائة فيقتسمانها، ويقال لصاحب الرأسين ما الذي لك أصاحب الستين، أو صاحب الأربعين فيحلف عليه، ويأخذه ثم يكون الباقي بينهما؛ لأن كل واحد يزعمُ أنه بقي له من ماله خمسون، وأن لم يَدَّعِيَا ذلك، فلصاحب الرأسين أربعون ومائة، ولصاحب الرأس سبعون‏.‏ ولو دفع أحدهما دنانير، وآخر دراهم لشرائين فصرف هذه بهذه بصرف الناس جاز‏.‏

الباب الثالث في النزاع

وفي الجواهر‏:‏ يقع في ثلاثة مواضع‏:‏

الموضع الأول‏:‏ في الإذن وصفته، وقدره، والقول قول الموكِّل؛ لأن الأصل عدم الوصية بوجهٍ من الوجوه‏.‏ فلو تنازعا في مقدار الثمن حلف الموكِّل، وغرم الوكيل للمشتري أنكر البائعُ الوكالة، أو اعترف بها‏.‏ ولو باع بعشرة، فقال‏:‏ ما أمرتك إلا باثني عشر صُدِّق الآمر إن لم تفت السلع، فإن فاتت صُدق المأمور؛ لأنه غارم ما لم بيع بما يُستنكر‏.‏

الموضع الثاني‏:‏ التصرف المأذون فيه‏.‏ فإذا قال‏:‏ تصرفتُ كما أذنت صُدِّق الوكيل؛ لأنه أمين، ويَلزَمُ الآمر ذاك التصرف من بيع، أو غيره لإقراره بالوكالة‏.‏ وكذلك لو ادَّعى تلف رأس المال صُدِّق؛ لأن الأصل عدم شغل ذمته بالضمان‏.‏ وكذلك لم أدَّعى ردَّ المال سواءٌ كان بِجُعلٍ أم لا‏.‏ وكذلك قوله قبضتُ الثمن، وتلِف إن ثبت القبض ببينة، أو صدَّقَهُ الموكِّل فيه، وإلا لم يبرأ الغريم من الدِّين إلا أن يكون القابض وكيلاً مفوضاً، أو وصياً فيبرأ باعترافه من غير بينة بخلاف الوكيل المخصوص‏.‏ وفي كلا الوجهين لا غرم علىالوكيل‏.‏

الموضع الثالث‏:‏ إذا وكّله في قضاء الدَّيْن، فلْيُشْهِد، وإلا ضمن بترك الإشهاد، وقبل لا يضمن إن كانت العادة ترك الإشهاد‏.‏ وكذلك وصيّ اليتيم لا يصدّق في دعوى ردّ المال لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأَشهِدوا عَليهم‏)‏‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ مَنْ يُصَدَّق بالرَّدِّ إذا طُلب بالرد ليس له التأخير بعذر الإشهاد إذا تحققت الوكالة، أو باشَرَهُ المستحق، ولمن عليه الحقُّ بشهادةٍ ألا يسلِّم إلى المستحق، أو وكيله إلا بشهادة‏.‏ وإن اعترف به، فإن كان في يده تركه، فاعترف لإنسان بأنه وارثُ صاحِبها لا وارث له سواه لزمه التسليم، ولا يكلِّفه بشهادة على أنه لا وارث له سواه‏.‏ ولو اعترف أنه استحق ألفاً عن جهة حوالة، ولكن خاف إنكار الوكيل، فهو كخوف المُحيل إنكار الموكِّل‏.‏

ولو ادعَّى على الوكيل قبض الثمن فجحده، فأُقيمت عليه بينة بالقبض، فادَّعى تلفاً، أو رداً قبل الجحد لم تُسمع دعواه‏.‏ قال محمد‏:‏ الذي يبّين أنه لو صرَّح بالإنكار، وقال‏:‏ ما دَفَعَ إليَّ شيئاً لغرم قامت البينة، أو أقرّ، وهو قول مالك، وأصحابه فيمن عليه دَيْن، فدفعه، أو وديعةٌ ببينة، أو بغير بينة، فردَّها، وأشهد بينةً لذلك، فطُولب فأنكر أن يكون كان عليه دينٌ، أو قال‏:‏ ما أودعنى شياً ثم أقرّ، أو شهدت بينة بأصل الحق، فأخرج البراءة بالعدول لا تنفعه شهادةُ البراءة؛ لأنه كذّبهم بجحده الأصل‏.‏ وبقية فروع هذا الكتاب مع جميع فروع التهذيب تقدّمت في الركن الأول من البيع، والله أعلم‏.‏

فرع‏:‏

إذا ادّعى الوكيل المُفوّض إليه، أو غير المفوض أنه دفع لك ما قبضه من غُرمائكَ صدّقه مالك في المدونة مع يمينه؛ لأنه أمين‏.‏ وعنه لا يُصدّق بحضرة قبض المال، أو بقربه بالأيام اليسيرة؛ لأن الأصل بقاؤه عنده، وتحلف أنت، وتصدَّق، وهو مع يمينه في نحو الشهر؛ لأن الظاهر قبضُك لمالك حينئذ، وإن طال جداً لم يحلف‏.‏ وفرق أصبغ بين المفوَّض إليه، ففي القرب يَبرأُ مع يمينه، وفي البعد جداً يبرأ بغير يمينٍ‏.‏ وأمّا الوكيل على شيءٍ بعينيه قال‏:‏ فهو غارم حتى يقيم البينة، وإن مات الوكيل بالقرب‏.‏ قال عبد المالك‏:‏ ذلك في ماله إذا عُرِف القبض وجهل الدفع، ولم يذكره‏.‏

كتاب الشركة

قال الجوهري‏:‏ شاركتُ فلاناً صٍرْتُ شريكاً له، واشتركنا، وتشاركنا، وشرِكتُه في البع، والميراث-بكسر الراء- أَشرَكَهُ- بفتحها - شِركَةً- بكسر الشين، وسكون الراء، والاسم الشِّرك- بكسر الشين، وسكون الراء- وأصلها قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وإن تُخالطوهم فإخوانكم‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏وإن خِفْتُم ألا تُقسِطوا في اليتامى‏)‏ الآية‏.‏ قالت عائشة-رضي الله عنها-‏:‏ هي اليتيمة تشاركه في ماله‏.‏ وقوله عليه السلام‏:‏ الشُّفعة في ما لم يُقسم، وقوله عليه السلام‏:‏ مَن أعتق شِركاً له في غير الحديث‏.‏ وهذه الأحاديث في الصحاح‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فابعثوا أحدَكُم بِوَرِقِكُم هذه إلى المدينة‏)‏ مقتضاه الشركة في الطعام المُشترى بالورق‏.‏

وفي الكتاب ثلاثة أبواب‏:‏

الباب الأول في الأركان

وهي أربعة‏:‏

الركن الأول والثاني‏:‏ المتعاقدان‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ لا يشترط فيهما إلا أهلية التوكيل، والتوكل، فإن كان كل واحد يتصرَّف لنفسه، ولصاحبه بإذنه‏.‏ قال اللخمي‏:‏ قال مالك‏:‏ لا ينبغي مشاركة من يُتهم في دينه، ومعاملته، ولا يهودياً، ولا نصرانياُ إلا أن يكون هو الذي يعامل، وقاله ‏(‏ح‏)‏، و‏(‏ش‏)‏‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ تجوز شركة العبيد إذا أُذن لهم في التجارة، ولا يشارك مُسلم ذمياً إلا أن لا يغيب الذمي على بيع، ولا شراء، ولا قضاء، ولا اقتضاء إلا بحضرة المسلم‏.‏ وتجوز بين الرجال، والنساء‏.‏ قال اللخمي‏:‏ فإن كان العبد غير مأذون له في التجارة، والعبد المتولي البيع، والشراء لم يكن علي الحرِّ في ذلك مطالبةٌ إن هلك المال، أو خسر‏.‏ وكذلك إن تولَّيا جميعاً الشراء، ووزن كل واحد منهما نائبه، وأعلقاه عليهما، ولم ينفرد الحرُّ بها‏.‏ وإن كان الحرُّ المتولي ضمن رأس المال إن هلك، أو خسر لوَضع يده مستقلاً، فإن شارك نصرانياً، وغاب عن المعاملة استحب له التصدق بنصيبه من الربح لاحتمال معاملته بالربا، فإن شك في التجارة في الخمر تصدق بالجميع استحباباً، وإن عَلِمَ سلامته من ذلك لا شيء عليه‏.‏ ويريد مالك إذا كانت المرأة متجالة، أو شابة لا تباشره، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ تُمنع مشاركة الحر للعبد؛ لأن أصل الشركة التساوي، والحر يملك التصرف بنفسه، والعبد لا يملكه إلا من قبل السيد، وبين العبدين، والمكاتبين لانتفاء صحة الوكالة‏.‏ ونحن نمنع اعتبار التساوي إلا في الربح مع المال، ونمنع اشتراط صحة الكفالة، بل صحة التصرف‏.‏

الركن الثالث‏:‏ الصيغة الدالة على الإذن في التصرف‏.‏ قال في الجواهر‏:‏ أو ما يقوم مقامها في الدلالة؛ لأن المقصود حصول الرضى بكل ما دل عليه، ويكفي اشتركنا إن فهم المقصود عادة‏.‏

الركن الرابع‏:‏ المحل‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ هو المال، والأعمال، فعقد الشركة في المال بيع لبيع كل واحد منهما نصف متاعه بنصف متاع صاحبه لكنه بيعُ لا مناجزة فيه لبقاء يد كل واحد منهما على ماله بسبب الشركة‏.‏ لكن الإجماع منعقدٌ على جواز الشركة بالدنانير من الجانبين، والدراهم منهما على غير قياس‏.‏ وفي القياس عليه خلاف‏.‏ قاس ابن القاسم الطعام علىالعبد المتفق كيلاً وصفة، ومنع في الدنانير من أحدهما، والدراهم من عند الآخر، والطعامين المختلفين‏.‏ وتجوز بالعرضين المُتَّفقين في الصفة قولاً واحداً‏.‏ ومنع مالك الطعامين المختلفين‏.‏ وتجوز من صنف واحد في إحدى الروايتين، وشرط في الذهبين اتفاق الصرف، وإن اختلفت السكة‏.‏ ولا يضرُّ اختلاف العرضين، ولا في القيمة، ورأس مال كل واحد منهما ما قُوِّم به عرضُه‏.‏ ولو وقعت بالعرضين فاسدةً لكان رأس مال كل واحد ما بيع به عرضه، ومنعها ‏(‏ش‏)‏ بغير المثليات، ولا ينفع التقويم عنده‏.‏ ومنع السبائك، والنقار للرجوع فيها إلىالقيمة‏.‏ وتجوز في المثلين من الحيوان، والأقطار، والأدهان، ومنعه ‏(‏ح‏)‏ قياساً على القراض‏.‏ والفرق احتياج القراض إلى رَدَّ عين رأس المال، وربّما غلا فيستغرق الربح فيذهب عمل العامل بخلاف الشركة‏.‏ قال ‏(‏ش‏)‏، و‏(‏ح‏)‏‏:‏ إن احتاجا إلى الشركة بالعرضين باع كل واحد نصف عرضه بنصف عرض صاحبه فيصير الجميع مشتركاً، ويشترط القبض حذراً من التلف فينقض البيع‏.‏ وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يجوز إلا بالنقدين، والفلوس‏.‏

تمهيد‏:‏

منشأ اختلاف العلماء ملاحظة قواعد‏:‏

إحداها‏:‏ أن الرخص هل يُقاس عليها أم لا، وهي مسألة قولين في الأصول، فمن منع لم يُلحق بالنقدين غيرهما‏.‏

وثانيها‏:‏ قاعدة سدّ الذرائع، فإن الغالب على العقلاء عدم القصد إلى المعاوضة بين المِثليات إلا لغرض، فإذا اشتركا بمثلين كان الغرض الإرفاق بالشركة لا المعاوضة‏.‏ وإن اشتركا بمختلفين كان الغرض المبايعة، وهو ممنوع من الشركة لعد التأخير، وعدم القبض، ودخول النساء في النقدين‏.‏ فمن لا حظ هذه منع إلا في المثليات، ومن لم يلاحظ، ولاحظ أن الضرورة قد تدعو للشركة بقسم المختلفات عليه جوَّزه‏.‏

وثالثها‏:‏ ملاحظة القياس على القراض، وقد تقدم الكلام عليه‏.‏

القاعدة الرابعة‏:‏ ملاحظة ربح ما لم يضمن في العروض لتوقع تأخير بيع عرض أحدهما فيغلو فيباع بأكثر من قيمته وقت الشركة، فإن أعطينا ربح الزائد لصاحبه، فقد أفردنا أحدهما بربح، وهو خلاف عقد الشركة أولا كان قليل المال مثل كثيره في الربح بخلاف غير المتميز لا يتعين فيه غلاء، ولا رخص‏.‏

فائدة‏:‏ قال أبو عبيدة‏:‏ العرض -بسكون الراء- ما ليس موزوناً، ولا مكيلاً، ولا حيواناً، ولا عقاراً‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ لا تجوز إلا بالأموال، وعمل الأبدان إن كانت صنعة واحدة، وتمتنع بالذمم بغير مال، وعلى أن يضمنا ما ابتاع كل واحد منهما كانا في بلد، أو في بلدين يجهز كل واحد على صاحبه تفاوضاً كذلك في تجارة الرقيق، أو في جميع التجارات، أو بعضهما، وكذلك إن اشتركا بمال قليل على أن يتداينا؛ لأن كل واحد يقول احمل عني نصف ما اشتريت علي أن أحمل عنك نصف ما اشتريت إلا أن يجتمعا في شراء سلعة معينة حاضرة، أو غلئبة فيشتريانها بدين فيجوز ذلك إن كانا حاضرين لوقوع العهدة عليهما، وإن ضمن أحدُهما عن صاحبه، فذلك جائز‏.‏

قال صاحب النكت‏:‏ الفرق بين شريكي المال يجوز افتراقهما في موضعين، وامتناع افتراق شريكي البدن أن شريكي المال حصلت الشركة بينهما فيه، فلا يضرُّ افتراقهما، وشريكا البدن إذا افترقا لم يبق بيهما شركة‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال بعض أصحابنا في آخر مسألة الكتاب‏:‏ إنما يجوز ذلك إذا كانت أنصباؤهما متفقة، فإن اختلفت فلا يضمن صاحب النصيب الأقل إلا مثل ما يضمن عنه صاحب الأكثر‏.‏ قال بعض القرويين‏:‏ ويتبع البائع كل واحد منهما بالنصف إذا لم يكن عَلِمَ أنهما اشتركا علىالثلث، والثلثين، ويتراجعان بينهما، وإن علم اتبعهما بحصتهما‏.‏ وإنما يحمل كل واحد عن صاحبه إذا استوت أجزاؤهما؛ لأن كل واحد يحمل مثل ما يحمل عنه الآخر‏.‏ ويمتنع ذلك في سلعتين يختص كل واحد بسلعة، أو تحمَّل أحدهما عن الآخر على أن تحمَّل الآخر عنه‏.‏ كما يمتنع أَسلِفني بشرط أن أُسلِفَك‏.‏ وإنمما أُجيز في الشركة للعمل‏.‏ قال أصبغ‏:‏ إذا وقعت الشركة بالذمم، فما اشتريا بينهما على ما عقدا، وتُفسخ الشركة‏.‏ وكره ابن القاسم أن يُخرجا مالا أن يتجرا به بالدين مفاوضةً، فإن فعلا‏.‏ قال‏:‏ فما اشترى كل واحد منهما بينهما، وإن جاوز رءوس أموالهما‏.‏ قال بعض القرويين‏:‏ إنما لزم كل واحد منهما ما اشترى صاحبه في شركة الذمم؛ لأنه كان عنده من باب الوكالة الفاسدة، وقياس قول ابن القاسم اختصاص كل واحد بمشتراه، وهو تأويل سحنون عليه لقوله يلزمُني نصف مشتراك، وبالعكس، فأشبه المعاوضة بالسلعتين اللتين يشتريان، فلم يلزم ذلك شريكه كما إذا تشاركا بسلعتين شركة فاسدة لا يكون البيع فيها فوتاً يوجب على كل واحد نصف سلعة صاحبه؛ لأن يد كل واحد على سلعته، فكذلك هاهنا‏.‏

قال اللخمي‏:‏ تجوز بالدراهم، والدنانير بخمسة شروط استواء الصنف من العين، والربح، والخسارة على قدر الأموال، وأن يكون المال بينهما على الأمانة‏.‏ واختلف في اشتراط الخلط، فلم يره مالك، وابن القاسم؛ لأن المقصود المبايعة، وقيل يشترط؛ لأنه مبايعة تفتقر إلى مناجزة في النقدين، وإن اختلفت السلعة، والقيمة لم يشتركا بالقيمة؛ لأنه رِباً، وبالمساواة؛ لأنه زيادة في الشركة من أحدهما، وأجازها ابن القاسم في اليسير، والقياس المنع كالمبادلة في الدنانير بشرط السلف‏.‏ ومنع محمد عشرة دنانير قائمة، ومن الآخر عشرة تنقص حبتين؛ لأنه لم يرد المعروف، ولولا مقارنة الشركة جاز؛ لأن نصف ذلك علىملك صاحبها، فما وقعت المبادلة إلا في خمسة‏.‏ فإن عقدا على سلعةٍ واحدة، ووزنٍ واحد ثم أحضر أحدهما أجود، أو كانا قبل ذلك يتكارمان جاز‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ لأحدهما تبرٌ، وللآخر مسكوك، وتساوى الذهبان، فإن كثُر فضل السكة لم يجز، وإن كافأت جودة اليسير السكة، فقولان كدراهم لأحدهما، ودنانير للآخر؛ لأنها حينئذ مبايعة، فتجوز إذا تقابضا التبر، والدنانير‏.‏

نظائر‏:‏ قال ابن بشير‏:‏ اليسير مغتفر في نحو عشرين مسألة‏:‏ في الغرر في البيع، والعمل في الصلاة، والنجاسة إذا وقعت في إناء على الخلاف، وفي الطعام إذا وقع في الماء اليسير ولم يتغير، ولا يمنع الوجوب في نصاب الزكاة في الضحك في الصلاة، وفي نقصان سننها، ولا يمنع من تصرف المريض، وفي العيب لا يردُّ به، وكذلك إذا حدث عد المشتري لا يردّه إذا ردّ، وإذا زاده الوكيل على ما أُمر لزِم، وإذا زاده أحد الشركاء عل صاحبه لا يُفسد الشركة سوى الأموال، والأحمال، والتفاوت اليسير بين السكتين لا يمنع الشركة، وفي هبة العبد من ماله، والوصي من مال يتيمه، وعلى وجه المصلحة، وتنفيذ شراء السفيه اليسير لبنيه، وفي قراءة الجُنب، وفي الكتابة إلى الكفار بالقرآن، وفي قراءة المصلى كتاباً في الصلاة ليس قرآناً إذا لم ينطق به، وكذلك إنصاته لمُخبر في الصلاة، وفي بدل الناقص بالوازن، وفيما إذا باع سلعة بدينار إلا درهمين إلى أجل، وفي الصرف في المسجد، ووصي الأم يصح تصرفه فيه دون الكثير، ويغتفر عند انفصال الشريكين إذا بقي ثوب على أحدهما يسير القيمة، وكذلك عامل القراض، وكذلك الزوج تجب عليه الكسوة إذا كان الذي بقي عليها يسير الثمن‏.‏ ويشترط على المغارس العمل اليسير، وكذلك المساقي، وعامل القراض على رب المال، وفي الأخذ من طريق المسلمين إذا كان لا يضرّ، ويُترك للمفلس من ماله نحو نفقة الشهر‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ فإن شرطا العمل نصفين، والربح والخسارة أثلاثاً، والمال مائة لأحدهما، ومائتان للآخر رجع صاحب المائة بأجرة مثله في خمسين، وكان الربح والخسارة أثلاثاً، فإن شرطا العمل حاشية فسدت سواء كانت الخسارة أثلاثاً، أو الربح والخسارة أثلاثاً، فتكون الخمسون عند صاحب المائة على وجه الهبة، أو على وجه السلف، فإن كان له ربحها، وخسارتها على صاحبها، فرِبحُها لربها اتفاقاً؛ لأنه عمل فيها على أنها باقيةٌ على ملك صاحبها لما كانت خسارتها ومصيبتها منه، وإن جعل خسارتها من الآخر فتكون سلفاً، أو هبة، ولا ترجع بعد اليوم قولان‏:‏ ضمانها من المسلف، أو الموهوب، وربحها له، والثاني‏:‏ ضمانها من صاحبها، وربحها له لأن الآخر لم يُمكن منها تمكيناً صحيحاً لما اشترط أن يتجر بها في جملة المال، ولا يبين بها، والتحجير يمنع انتقال ضمانها‏.‏ وعلى هذا انتقال ضمانها، وعلى هذا يتخرج قوله في المدونة؛ لأنه إنما أسلفه الخمسين على أن أعانه بالعمل، فأراه مفسوخاً، ولا ضمان عليه، وضمانها من صاحبها، وربحها له، ووضيعتها عليه، ويريد أنه إن قصد أن تكون سلفاً، فلا يكون ذلك؛ لأن مضمون سلفه أن يتجر بها في المال، ولأن يد صاحب المائتين مطلقة في جميع المال‏.‏ ويختلف في رجوع العامل بأجرة المثل في الخمسين الزائدة، ففي المدونة يرجع، وإن خسر المال، وعن مالك لا، وهو أحسن؛ لأن صاحب المائة استأجره‏.‏

وإن كان جميع العمل على صاحب المال على أن الربح والخسارة نصفان فيختلف في ضمانه خمسين، فإن ضمنَّاه فله ربحها، وإلا فلِرَبِّها، ويرجع العامل بأجرة المثل في مائة وخمسين؛ لأنه عملها لربها‏.‏ ويختلف في الإجارة عن خمسين؛ لأنه عملها لربها‏.‏ وإن شرطاً الربح نصفين، والخسارة أثلاثاً جاز، والمائتان قراضٌ على الربع، ولم يضرّه شرط خلط المائتين على أحد قولي مالك، ولم يتكلم مالك على هذا الوجه، بل إذا شرط الربح والخسارة نصفين‏.‏ ولو عُلم أن صاحب المائتين قصد المعروف، أو صدقة، أو نحوها، وإلا لم يجُز‏.‏ ثم يختلف هل يضمن ذلك السلف، أو الهبة أم لا لأجل التحجير، ويسقط الضمان عنه على أحد القولين، وإن انفرد بالعمل‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال مالك‏:‏ شارك بمائتي دينار مَنْ له مائةٌ، ولصاحب المائتين غلامان يعملان معه، فدخل عليهما نقص، فهو على قدر المالين، ولا للشريك في ذلك أجرة لاعتدال الأبدان‏.‏ وعنه قديماً‏:‏ له أجرةُ مثله، والأول أحسن إن كان الغلامان يحسنان التجارة، فإن كانا يخدمان، فله أجرة مثله في المائتين، وعليه أجرة الغلامين فيما ينويه من خدمتهما‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا لم يخلط، فثلاثة أحوال‏:‏ يجمعان المائتين بموضع، ويشتريان بهما، أو يشتريان قبل الجمع، وكل واحد متمكن من الشراء بمال صاحبه، أو يشترطان ألا يجمعا، وأن يكون الشراء بهما على الانفراد، فالشركة في القسمين الأولين إذا اشتريا قبل الجمع والخلط جائزة، وكل شيء اشتُريَ بمال أحدهما شركةٌ بينهما، ومصيبة ما هلك مما اشتُري من مال أحدهما منهما؛ لأنه فعل ما أمَرَه به، فهو ملكه، والضائع قبل الشراء وقبل الجمع، فمن صاحبه‏.‏ قاله مالك إذا بقي في المشتَرى حق توفيه من وزن، ونحوه‏.‏ أما لو تلف المشترى عند صاحبه على وجه الشركة لكان منهما؛ لأن الخلط ليس بشرط الصحة‏.‏ وقال سحنون‏:‏ لا تنعقد إلا بخلط المالين، وحمل أمرهما فيما أخرجا من الدنانير على المبايعة باع كلاهما نصف ملكه بنصف ملك صاحبه، فهي مصارفة‏.‏ فإذا خلط كان ذلك قبضاً وفوتاً‏.‏ وقياس قوله‏:‏ إذا قبض كلاهما دنانير صاحبه، فهو قبضٌ، ومناجزة، وإن لم يخلط؛ لأن المقبوض نصفُه صرفٌ، ونصفُه وديعة‏.‏ ولو صرف رجل منك دنانير ليكون لك نصفُها، ونصفُها وديعة جاز‏.‏ ولو قبض الشريك دنانير صاحبه، ولم يقبض الآخر شيئاً لم تصح الشركة على أصله، وقول مالك أحسن؛ لأن القصد التّجر بها دون المبايعة فيهما‏.‏ وعلى قول مالك إن هلاك المشتَرى منهما لو لم يهلك وفيه ربح فهو لهما إذا أخرج الآخر مثل دنانير صاحبه، وإن عجز عن الهلف فلا ربح له؛ لأن شريكه لم يرضَ أن يكون للآخر في ماله ربح إلا أن يكون للآخر في ماله ربح‏.‏ ومذهب مالك، وابن القاسم أنّ ربح المال الغائب لهما على قدر ماليته فيه‏.‏ وإن شرطا أن يشتري كل واحد بمائة بانفراد من غير خلط فسدت الشركة، وما اشتراه أحدهما فله ربحه، وعليه وضيعته‏.‏ وإن جالت أيديهما في المال، واشترى كل واحد بمال الآخر، فهل تكون شركة، أو لمن اشتُري بماله قولان‏.‏ وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ يشترط اتحاد السكة في النقدين، ولم يشترطه ‏(‏ح‏)‏ لاتحاد الجنس، وعارضته الشافعية بأنه لا يُقضى بأحدهما عن الآخر في الإتلاف، والأثمان‏.‏ واشترط أيضاً الخلط؛ لأن الشركة في الفرع الذي هو الربح فرع الشركة في الأصل الذي هو المال‏.‏ ومع الامتياز لا شركة‏.‏ ولم يشترطه ‏(‏ح‏)‏ قياساً على المضاربة، والوكالة، ولأن استحقاق الربح مضاف للعقد، وهو حاصل لا للخلط‏.‏

نظائر‏:‏ قال ابن بشير‏:‏ للشركة بالعين خمسة شروط‏:‏ استواء صفة العين، واستواء العمل، والربح، والخسران على قدر الأموال، والمال بينهما على الأمانة‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ اختلف في الشركة بمالين حاضر، وغائب أجازهُ مالك، وابن القاسم، ومنعه سحنون على أصله أنها مبايعة، والأول أحسن‏.‏ ولو كانت مبايعة امتنع إخراج أحدهما مائة دينار، وألف درهم، والآخر مثلها، وفي المزارعة كلاهما البذر وأحدهما العمل، والآخر الأداة؛ لأنه طعام بطعام معهما شيء آخر‏.‏ قال مالك‏:‏ إذا أخرج ألفاً وخمسمائة، والآخر خمسمائة وله ألف غائب، فاشتُري بالألفين، فالربح بينهما أرباع‏.‏ وقال محمد‏:‏ إن كان كَذَبه، وخدعه، فإن باع أولاً فعلى النصف‏.‏ قال‏:‏ وأرى أن يُسأل العامل عن الوجه الذي اشتُري عليه، فإن قال‏:‏ على الأرباع على قدر أموالنا قبل قوله، وله حينئذ ربع الربح قولاً واحداً‏.‏ وإن هَلَكَ المال قبل وصولها، وخسر فيه بعد بيعه لم يضمن العامل بالمال المقيم شيئاً‏.‏ وإن قال‏:‏ اشتريت ليكون نصفين قُبل قوله، فإن هلك قبل بلوغه، أو خسر ضمن للمقيم خمسمائة إن هلك المال، وما ينويها من الخسارة، وإن ربحا، فالربح أرباع‏.‏ ويختلف أمر الخسارة والربح، فإن خسر قال المقيم أنا أمضي ذلك للمشتري حسبما ألزمت نفسك، واشتريت عليه، وإن ربح‏.‏ قال‏:‏ لم أرض أن يكون لك في مالي نصيب إلا أن يكون لي في مالك مثله‏.‏ وإلى هذا ذهب غير ابن القاسم‏.‏ وعلى القول إن الربح أرباع اختُلف في الأجرة، فقال ابن القاسم‏:‏ لا شيء للذي يُسافر من الأجرة، وهو متطوع، وقال سحنون‏:‏ له الأقل من أجرة المثل والربح‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ إن أخرج أحدهما دنانير، والآخر دراهم منعه مالك في الكتاب، وأجازه في كتاب محمد إذا تناجزا بالحضرة، فأخذ مخرج الدنانير الدراهم، وأخذ الآخر الدنانير؛ لأنها مصارفة‏.‏ وعلى القول بالمنع إن اشترى بالمالين صفقة واحدة كانت بينهما على قدر ما أخرجاه يوم الشراء لا يوم المفاصلة، فإن أخرج أحدهما ألف درهم، والآخر مائة دينار، والصرف وقت الشراء عشرين درهما بدينار، فالمشترى بينهما أثلاثاً‏.‏ وإن اشترى بينهما على قدر الصرف يوم الشراء كالأولى‏.‏ وإن علم ما اشترى بكل مال لم تكن بينهما شركة، ولكل واحد ما اشترى بماله له ربحه، وعليه خسارته‏.‏ ومحمل قول ابن القاسم في المدونة على الشراء بالمالين جملة، واختلط عليها، ومحمل قوله يعطى هذا بقدر دنانيره، والآخر بقدر دراهمه أن ذلك إذا لم يتغير الصرف، وإلا اقتسما أثلاثاً حسبما كان وقت الشراء؛ لأن التجارة، والمبلغ التي اشتريا كانت بينهما كذلك ‏(‏كذا‏)‏، فلو غلت الدراهم حتى صارت الألف تعدل المائة لم يكن الثمن الذي يبيعها به أنصافاً؛ لأن السلع كانت أثلاثاً‏.‏ ولو فعلا ذلك لاختص صاحب الدراهم ببعض مال صاحبه‏.‏

فرع‏:‏

في التنبيهات‏:‏ شركة الذِّمم ثلاثة أضرب‏:‏

أولها‏:‏ في شراء شيء بعينه، فتجوز اعتدلا، أو اختلفا، ويتبع كل واحد من ثمن تلك السلعة بقدر نصيبه‏.‏

وثانيها‏:‏ اشتراكهما في معيّن على أن يَتَحمَّل كل واحد منهما لصاحبه فيجوز مع الاعتدال فقط‏.‏

وثالثها‏:‏ الشركة على غير معين، فلا تجوز؛ لأنه من باب اضمني، وأضمنك، وأسلفني، وأسلفك‏.‏ فإن وقعت فالمشترى بينهما؛ لأن غير المشتري أذن للمشتري‏.‏ قاله ابن القاسم، وقال سحنون‏:‏ لكل واحد ما اشتراه لفساد العقد‏.‏ وفي النكت‏:‏ قيل إذا نزلت فاسدة إنما يكون ما اشتري بينهما إذا تجمعا في شراء ذلك، وإلا فللمشتري وعهدته عليه‏.‏ وفي كتاب محمد حمديس‏:‏ إذا لم تقع عهدة ما ابتاع كل واحد منهما عليهما جميعاً، فربح ما ابتاع كل واحد وضمانه عليه‏.‏

وظاهر الموازية إذا اشتركا بوجوههما بغير مال على أن يشتريا بالدين، ويبيعا، وفات ذلك إن شراء كل واحد بينهما‏.‏ قال ابن القصار‏:‏ شركة الوجوه تمتنع، وقاله الشافعي، وجوزه أبو حنيفة‏.‏

لنا أن الأصل عدم شرعيتها، ولأن حقيقة الشركة أن يشتركا في شيء عند العقد إما مال أو بدن، ولا واحد، فلا يصح، ولا يكفي العقد؛ لأنهما لو جعلا الربح كله لأحدهما لامتنع‏.‏ احتج بالقياس على شركة الأبدان، وبقوله تعالى‏:‏ ‏(‏أوفوا بالعقود‏)‏ وبقوله عليه السلام‏:‏ المؤمنون عند شروطهم‏.‏ ولأنهما عقدا على الوكالة، والشراء للآخر، وذلك جائز حالة الانفراد فيجوز عند الاجتماع‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن البدن، والصنعة كالعين الموجودة بخلاف الوجوه، وعن الثاني والثالث‏:‏ المعارضة بنهيه عن الغرر، وهذا غرر، وعن الرابع‏:‏ تمنع هذه الوكالة على الانفراد؛ لأن الذي يشتريه أحدهما يجوز أن يشتريه الآخر، ومثل هذا في الوكالة يمتنع، وإنما يجوز ذلك في الشركة لوجود الرفق المنفيِّ هاهنا‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا أقعدتَ صانعاً على أن تتقبل عليه المتاع، ويعمل هو بما رزق الله بينكما نصفان امتنع، ولا تمتنع الشركة في عمل الأبدان بأن يكون العمل نوعاً واحداً في حانوت واحد كالصباغين، والخياطين، وإن فضل أحدهما في العمل؛ لأنه لا بدّ من ذلك‏.‏ ولو اشتركا بغير رأس مال على أنّ على أحدهما ثلث الصنع، وله ثلث الكسب، وعلى الآخر الثلثان، وله الثلثان صحّ كالأموال، وكذلك الجماعة، وإن احتاجا إلى رأس مال أخرجاه بالسوية، وعملا جميعاً، فإن أخرج أحدهما ثلث رأس المال، والآخر الثلثين ويعملان والربح نصفان امتنع لأكل المال بالباطل في ربح الزائد في أحد المالين، ويجوز إذا استووا في الجميع‏.‏ ويمتنع لأحدهما الحانوتُ، وللآخر الأداة، أو دابة، وللآخر رحى إن كانت الإجارة مختلفة لعدم الضرورة‏.‏ وإن تطاول أحد القصارين بماعون تافه كالقصرية والمدقة جاز، ويمتنع ماله قدرٌ حتى يشتركا في ملكه، أو يكريه من الآخر‏.‏

فائدة في التنبيهات‏:‏ المُدقَّة -بضم الميم والدال - والمِدَقَّة - بفتح الدال وكسر الميم- وهي الإرزبًّة- بكسر الهمزة - التي يدقّ بها الثياب‏.‏

قال صاحب التنبيهات‏:‏ يشترط في الشركة التقارب في القدرة، والمعرفة بذلك العمل، وقد تأول ما وقع في العتبية من جواز الافتراق بأنهما يتعاونان في الموضعين سواء، وعلى هذا يكون موافقاً للمدونة‏.‏ وليس المقصود في الموضع الواحد إلا اتفاق نَفَاقِ السوق، ومنافعه‏.‏ وإذا تباعدا ربما كانت المنفعة لأحدهما فقط فيكون غرراً، وأكلاً لمال بالباطل‏.‏ وعن ابن القاسم المنعُ إلا بالشركة في الآلة بالكراء من غيرهما، أو بالملك، ولا يواجر أحدهما نصف الآلة من الآخر، وهو يملك الجميع‏.‏ وظاهر الكتاب جوازه‏.‏ وفي النكت‏:‏ الفرق بين شركة الأبدان يُشترط اتحاد المكان بخلاف الأموال أنهما إذا افترقا بينهما رابط، وهو المال، ولا يضر بخلاف الافتراق بالأبدان يبتدئ كل واحد بعمله، فتبطل الشركة‏.‏ وقوله في المدونة‏:‏ لا يجوز قصّار وحداد، معناه إلا أن يكونا يتّجران بأموالهما بصنعتيهما فيجوز‏.‏

والذي يُقعد رجلاً في حانوت له ثلاث حالات‏:‏ أن يقبل صاحب الحانوت المتاع، وعهدتُه عليه، فالغلة له، والضمان عليه دون الصانع، وللصانع أجرُ مِثله، أو الصانع كذلك، فالغلة له، ولصاحب الحانوت أجرة حانوته، ولصاحب الحانوت أيضاً أجرة المثل إن كان يتولَّى الأخذ له على أن الضمان على العامل خاصة، أو يتقبلان جميعاً اشتركا في الغلة، والضمان، ويتراجعان في الأجرة‏.‏

قال اللخمي‏:‏ شركة الأبدان تجوز بخمسة شروط‏:‏ اتحاد الصنعة، وتساوي السرعة، والإبطاء، والجودة والرداءة، أو يتقاربان، واتحاد الموضع، والشركة في الأداة، وإنما أجيزت للمعاونة‏.‏ وإذا اختلفت الصنعة انتفت المعاونة، ويكون كل واحد باع نصف كسبه بنصف كسب صاحبه لغير ضرورة‏.‏ وكذلك افتراق المكان‏.‏ وإن اختلطا كان بيع منافع بمنافع، وهو جائز‏.‏ فإن كان أحدهما أسرع بالأمر البيّن جازت على التفاضل على قدر أعمالهما دون المساواة لأكل المال بالباطل‏.‏ وإن تباينا في الجودة، وأكثر ما يصنعانه الدنيء جازت؛ لأن الأعلى يعمل أدنى، ولا حكم للقليل، أو كثرة الأعلى، أو كل واحد كثيراً امتنعت للغرر‏.‏ وفي العتبية إجازة افتراق المكان‏.‏ وقد اختُلف في الأصل فيمن استأجر أجيراً على أن يجيئه بالغّلة فعلى الجواز يجوز افتراقُهما في موضعين، والصنعة واحدة، أو مختلفة؛ لأن كل واحد باع نصف منافعه على أن يبيعها لمشتريها منه ولا فرق بين استئجاره على أن يجيئه بالغّلة بدراهم، أو بنصف منافعه‏.‏ وإن اشتركا بأموالهما وأحدهما يعمل، والآخر يخدُم، ويشتري، ويبيع، ولا يُحسن النسج، وقيمة العمل والخدمة سواء جاز، وكذلك بغير رأس مال فيستقبلان العمل ليعمل أحدهما، ويخدم الآخر، وتساوت القيمة بخلاف مختلفي الصنعة لعدم مساعدة أحدهما للآخر في عين تلك الصنعة، ومتى جاء للحائكين شغل عملا جميعاً، وإلا تعطَّلا جميعاً‏.‏

، ولذلك أجيزت في طلب اللؤلؤ أحدهما يغوص، والآخر يغرف، واشترطا التساوي فيما يخرج‏.‏ وإن كانت أجرة المُخرج أكثر امتنعت إلا على قدر أجرته‏.‏

وإن كانا صبّاغين، ورأس المال فيما يصبغان به من نيل أو غيره، والعمل على جزء واحد نصفٌ، أو ثلثٌ جاز‏.‏ وإن خالفا الأجزاء، وجعلا العمل نصفين، وما يصبغان ثلثاً وثلثين، فنصف ما أصابا لصاحب الثلثين، وثلثٌ لصاحب الثلث، ويبقي سدس لواحد فيه رأس المال، والآخر العمل، فنصف ما أصابا فيه على قدر مالَهُمَا فيه من رأس المال والعمل؛ لأن ذلك الجزء الفاضل هبةٌ، أو سلف بشرط الشركة‏.‏ ومذهب مالك، وابن القاسم أن الواهب، والمسلِّف لم يُمكَّن من ذلك لما كانا بشرط أن يصل الآخر معه، وإذا لم يكن فيه تمكين، فمصيبته من صاحبه، وما بيع به له، ويشارك الآخر بقدر عمله فيه‏.‏ وقد قيل إن ذلك قبضُ بما أصابا بينهما بالسواء، ويرجع صاحب الكثير على صاحبه بمثل ما أسلفه، أو وهبه، ولو كان ذلك الزائد ليس على وجه الهبة، ولا السلف، وإنما وهبه الربح، فقال‏:‏ إن خسرنا اقتسمنا رأس المال أثلاثاً، وإن ربحنا، فالربح نصفان لكانت هبة الربح للواهب وحده؛ لأن مصيبة ذلك الزائد من صاحبه قولاً واحداً؛ لأن العامل عمل فيه على ملك صاحب الأكثر، وللآخر الربح، وهي هبة فاسدة تُرَّد للواهب، ويقسط ما بيع به ذلك الزائد على قدره من قدر العمل‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ فإن اشتركوا في الطحين لأحدهم البيت، وللآخر الرَّحا، وللآخر الدابة اقتسموا ما أصابوا أثلاثاً؛ لأن رءوس أموالهم عمل أيديهم‏.‏ فإن استوت أجرة البيت، والرحا، والدابة، فلا تراجع، وإلا رجع من له فضل على صاحبه، ولو لم يصيبوا شيئاً لترادُّوا، وأفضل الكراء‏.‏ وقال محمد‏:‏ يقتسمون ما أصابوا على قدر أكرية ما لهم، فإن فضلٌ قُسم على أجرة كل واحد منهم، فإن فضل بعد ذلك نظر إلى جملة ما اجتمع لكل واحد فيقسم الفضل على قدر ذلك‏.‏ قال‏:‏ وإن لم يُصيبوا إلا مثل ما يعلفون، وينفقون رجع بعضهم على بعض، ويخرجون ذلك من أموالهم، وليس هذا بحسن‏.‏ قال‏:‏ وأرى أن رأس المال الرّحا، والدابة؛ لأن الإجارة والثمن المأخوذ إنما هو عنهما، وليس عن البيت، والعمل، وليس للشركاء في ذلك إلا رباط الدابة، والمعونة اللطيفة، ولا تراجع في عمل أيديهم لاستوائهم فيه‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ وإن كان العامل صاحب الدابة وحده، فله ما أصاب، وعليه أجرة البيت، والرحا، وإن لم يُصب شيئاً‏.‏ قال‏:‏ كمن دفع دابته، أو سفينته على أنّ له نصف ما يكسب عليها‏.‏ قال‏:‏ وليس هذا بالبيِّن، بل بعض ما أصاب على قدر إجارة الرحا، والدابة، فما ناب الرحا من العمل رجع عليه العامل فيه بأجرة المثل؛ لأن صاحب الرحا لم يبع من العامل منافعها، وإنما أذن له في إجارتها، وله بعض الأجرة ثم يغرمان جميعاً إجارة البيت‏.‏ وكذلك إن كان العامل صاحب الرحا فعلى قول ابن القاسم له ما أصاب، وعليه أجرة المثل، والقياس الفضل كما تقدم إلا أن يكون الذي يطحن عليها طعام نفسه، ولا يؤجِّرها من الناس‏.‏ وكذلك الدابة إن قال له‏:‏ أجِّرها فباع منافعها من الناس، فالأجرة لصاحبها، وللمؤجر أجرة المثل‏.‏ وإن قال‏:‏ اعمل عليها، فحمل عليها تجارة، أو ما يحتطبه، فما باع من ذلك للعامل، وللآخر أجرة المثل‏.‏ وكذلك الرحا، والدابة إن دخل على أن يواجرهما من الناس، فالأجرة لأصحابها، وللعامل أجرة المِثل، وإن دخل على أن يعمل فيها طعامه، فربح مالاً له، وعليه أجرة المثل‏.‏

تمهيد‏:‏

وافَقَنا ‏(‏ح‏)‏ في شركة الأبدان، وزاد علينا بجواز افتراق موضعهما، واختلاف صنعتهما، وجعله من باب التوكيل، وخالفنا ‏(‏ش‏)‏ مطلقاً؛ لأنه يشترط كون رأس المال موجوداً، ومعلوما، وأن يُخلط المالان، وكل ذلك معدوم هاهنا‏.‏

ونحن نقول‏:‏ هذه الصنائع في حكم الموجود لصحة عقد الإجارة عليها، ولقوله تعالى‏:‏ ‏(‏واعلموا أنما غَنِمتُم من شيءٍ فأن لله خُمسَه‏)‏ الآية، فجعل الغانمين شركاء فيما غنموا بقتالهم، وهي شركة الأبدان‏.‏ ورُوي أن ابن مسعود شارك سعداً يوم بدر، فأصاب سعدٌ فرسين، ولم يصب ابن مسعود شيئاً، ولم ينكر عليهما النبي - عليه السلام -‏.‏ أو القياس على المضاربة، ولأن مقصود شركة الأموال الربح، وهذا مما يحصل؛ لأنهما لو شرطا العمل من عند أحدهما امتنع، ولو شُرط المال من عند أحدهما، والعمل من الآخر صح، وكان مضاربة بالعمل الأصل، وهو نظير المال لمقابلته له، ولأن المنافع والأعيان سواء في جواز العقد عليهما في البيع، والإجارة‏.‏ وبه يظهر الفرق بينه وبين شركة الوجوه؛ لأن في الوجوه لا مال، ولا صنعة تقوم مقامه، أو نقول أحد أًصلي القراض، فجازت به كالقراض، بل أولى لاتفاقهما هاهنا في العمل، وثم عمل ومال، وأصل الشركة التساوي‏.‏ أو نقول إذا أخذ ثوباً ليخيطه بعشرة، فأجَّر غيره ليخيطه بخمسة صحَّ، فقد أخذ خمسة بعمل غيره، فكذلك هاهنا‏.‏ أو نقول إذا اشتركا بالمال ضمن كلُّ واحد نصف ما يشتريه الآخر، فقد صار الضمان سبباً لاستحقاق الربح، فكذلك هاهنا؛ لأن الصناع يضمنون عندنا‏.‏

احتجوا بالقياس على شركة الوجوه؛ لأن كل واحد منفردٌ بعمل نفسه، أو المنافع الحاصلة منهما مجهولة، فتمتنع كالشركة بالمال المجهول‏.‏ أو لأن كل أحدٍ باع نصف كسبه بنصف كسب صاحبه فيمتنع، وبيع الكسب بالكسب حرام‏.‏ أو يمتنع بالقياس على ما اشتركا بجملين، وعليهما كُلَفُ الجمّالين، والكسب بينهما‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أنه قد تقدم الفرق‏.‏

والجواب عن الثاني‏:‏ منعُ الجهالة، وذلك معلوم بالعادة بدليل صحة الإجارة، والمضاربة على المنافع‏.‏

والجواب عن الثالث‏:‏ أن ذلك لازمٌ في شركة المال أن كل واحد باع نصف ربحه بنصف ربح صاحبه، وذلك مغتفر في الصورتين للرفق‏.‏

والجواب عن الرابع‏:‏ أن شركة الدواب، والحمل على الرءوس تجوز إذا اشتركا في شيء بعينه لا يفترقان فيه، فأما إذا افترقا فلا رفق لأحدهما بالآخر بخلاف مسألتنا‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ عن مالك المنع من شركة الحرث إلا أن يشتركا في رقاب الدواب، والآلة ليضمنا ما هلك‏.‏ وعنه إن ساوى ما يُخرج من البقر، والآلة كراء ما يُخرج الآخر من الأرض والعمل، واعتدلا في البذر جاز، وقد تقدم بسطه في المزارعة‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ لأحدهما رحَّى، وللآخر دابةٌ، وللآخر بيتٌ على أن يعلموا بأيديهم، والكسبُ أثلاث، وعملوا على ذلك وجهلوا المنع، فما أصابوا أثلاثاً إن استوت أكرية الثلاثة، وتصح الشركة؛ لأن كل واحد أكري متاعه بمتاع صاحبه، وإن اختلفت أكرية ما قسموا أثلاثاً؛ لأن رءوس أموالهم عمل أيديهم، وهو مُستو، ويرجع من له أفضل كراء على صاحبه، وإن لم يصيبوا شيئاً كالكراء الفاسد‏.‏ ولا تراجع في كراء الأيدي لتساويهم فيه‏.‏ وإن اشترط صاحبا البيت، والرحا العمل على ربّ البغل فعمل فله الربح، وعليه الوضيعة؛ لأن غلة دابته رأس المال، وعليه أجرة الرحا، والبيت، وإن لم يصيبوا شيئاً كالدابة يعمل عليها بنصف الكسب‏.‏ قال صاحب التنبيهات‏:‏ ظاهر الكتاب المنع حتى يكتري كل واحد نصيبه بنصيب صاحبه إذا كان مستوياً، وأجازه سحنون إذا استويا‏.‏ قال أبو محمد‏:‏ معنى قوله الشركة صحيحة أي آلت إلى الصحة لا أنها تجوز ابتداءً للجهل بالأكرية‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ صفة التراجع مع الاختلاف كراء البيت ثلاثة دراهم، والدابة درهمان، والرحا درهم، فاستووا في درهم، فلا يتراجعوا فيه، ولصاحب البيت فضلٌ درهمان له منهما ثلثا درهم على كل واحد من صاحبيه، ولصاحب الدابة فضلٌ درهم، له ثلث درهم على كل واحد من صاحبيه، فإذا طالب صاحبُ البيت صاحبَ الدابة بثلثي درهم طالبه صاحب الدابة بثلث درهم فيبقى له ثلث درهم، ولصاحب الدابة ثلث درهم على صاحب الرحا ولصاحب البيت ثلثا درهم، وعلى صاحب الرحا أيضاً يغرم لكل واحد ثلث درهم فيدفعه صاحب الدابة إلى صاحب البيت فيحصل له درهم، ويستزن ‏(‏كذا‏)‏ إن لم يزد شيئاً من عند نفسه‏.‏ وإذا حضروا كلهم، وهم أملياء، وطلبوا المحاسبة دفع صاحب الرحا لصاحب البيت درهماً، ثلثه عن صاحب الدابة وثلثان مما له قبله؛ لأن جميع إجارة البيت والدابة والرحا ستة دراهم، فللدابة درهمان، فلا شيء له ولا عليه، ويرجع صاحب البيت على صاحب الرحا بدرهم فيعتدلوا‏.‏

وقال محمد‏:‏ إذا فات ذلك بالعمل قسموا ما أصابوه على قدر قيمة كراء كل واحد منهم، فإن فضل شيء قسموا ذلك على قدر إجارة كل واحد بيديه، وإن فضل شيء قُسم على ما حصل بيد كل واحد منهم بأن يكون المُصاب ثمانية عشر، ويكون كراء البيت ثلاثة، والدابة درهمان، والرحا درهم، فلكل واحد كراء ماله، وكراء يده أيضاً، وهو مثلاً لكل واحد درهم فيبقى من المصاب تسعة يقتسمونها على التسعة الأولى فيصير لصاحب البيت ثمانية، ولصاحب الدابة ستة، ولصاحب الرحا أربعة‏.‏ وقال بعض القرويين‏:‏ الأشبه أن يكون عمل أيديهم وكراء آلتهم رءوس أموالهم فيضيف كل واحد عمل يده إلى كراء ما أخرج، ويجمع ذلك كله، ويُقسم المُصاب على ذلك، فلا يختص برأس المال عمل البدن دون عمل الآلة؛ لأن ذلك كله رأس مال له، فإن عجز المصاب عن كراء الآلة فينبغي ألا يتراجعا في الذِّمم بما فضل بعضهم على بعض؛ لأن يد كل واحد على ما أكراه كراءً فاسداً، فلا يضمن شريكه له كما إذا اشتركا سلعتين شركةً فاسدة، فباعوا لم يضمن واحد لصاحبه قيمة نصيبه، وإنما رءوس أموالهما ما باعوا به، وهو قول حسن راجع إلى قول محمد إذا كان ما أصابوه قدر كراء آلتهم، وعمل أيديهم فأكثر لا يستخلِفُ ذلك في القسمة، وإن كان أقل من ذلك اختلف، ووقع الظلم بينهم إذا بُدئ بأكرية الآلة، أو بأكرية الأيدي إذ قد يكون كراء آلة أحدهم عشرة، وأجرة يده عشرة، فإذا أصابوا قدر أجرة الآلة، وبُدئ بالقسمة عليها ظُلم من أجرة آلته قليلة، وأجرة يده كثيرة‏.‏ وإن بُدئ بالقسمة على أجرة الأيدي ظلم صاحب الآلة، فأعدَلُ الأقوال جمعُ أكرية الجميع، ويُقسم ما أصابوا عليه، ولأن ما أخرجوا مما يُكرى فيكون كراؤه رأسَ المال كثمن السلعتين في الشركة الفاسدة، فإن رأس المال ما يبيعا له‏.‏ قال اللخمي‏:‏ أرى أن يكون رأس المال الرحا، والدابة؛ لأن الإجارة والثمن المأخوذ إنما هو عنهما دون البيت، وعمل اليد، وليس للشركاء في ذلك إلا ربط الدابة، وهو يسير، ولا يتراجعون في عمل أيديهم؛ لأنه يسير‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ وإن عمل صاحب الدابة وحده، فله ما أصاب، وعليه أجرة البيت، والرحا، وإن لم يصب شيئاً، وليس بالبيِّن، وأرى ما أصاب مفوضاً على أجرة الرحا، والدابة، فما ناب الرحا من العمل رجع عليه العامل فيه بأجرة المثل؛ لأن صاحب الرحا لم يبع من العامل منافعها، وإنما وكّله في إجارتها، وله بعض الأجرة، فهو يواجرها على صاحبها ثم يغرمان جميعاً أجرة البيت‏.‏ وكذلك إذا كان العامل صاحب الرَّحا‏.‏ فقول ابن القاسم وما عليه، والمختار ما تقدم إلا أن يكون الذي يطحن عليهما طعامَ نفسه فيكون كمن قال‏:‏ لك ما تكسب عليها، وكذلك الدابة، وقد تقدم بعض هذا البحث‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا مرض أحدُ شريكي الصنعة، أو غاب يوماً، أو يومين، فعمل صاحبه، فالعمل بينهما؛ لأنه عادةُ الشركاء، وما تفاحش وطال إن أحبًّ العامل أعطاه نصف ما عمل جاز إن لم يعقد في أصل الشركة على ذلك فيمتنع للغرر‏.‏ فإن نزل فما اشتركا فيه بينهما، وما اختص بذي العمل لصاحبه‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال بعض القرويين‏:‏ إن لم يعقدا على ذلك ينبغي أن القدر الذي لو صحَّ ذلك كان بينهما أن يكون بينهما، والزائد للعامل وحده، ويُتسامح في الشركة الصحيحة عن التفاضل اليسير بخلاف الفاسدة‏.‏ قال ابن حبيب‏:‏ هذا في شركة الأبدان، أما في شركة الأموال، فللذي عمل نصف أجرته على صاحبه، والفضل بينهما؛ لأن المال أخذه‏.‏ وإذا تقبل أحدهما شيئاً بعد طول مرض أو غيبة فهو له‏.‏ قاله بعض القرويين‏.‏ وإذا تقبًّلا جميعاً ثم غاب أحدهما طويلاً، فالإجارة بينهما، ويرجع العامل على شريكه بأجرة مثله؛ لأنه تحمَّل عن صاحبه بالعمل بخلاف حافري العين يُستأجران فيمرض أحدهما، فلا يلزم الثاني أن يعمل لصاحبه‏.‏ فإن عمل‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ هو متطِّوع كَمَنْ خَاطَ لِإِنْسَانٍ ثَوْبًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ لِصَاحِبِهِ‏.‏

وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ لرب الدين رأى أن بالمرض انفسخت الإجارة للضرر عليه كمرض الدابة في السفر‏.‏ والفرق بين الدَّين، وما يتقبلانه من المتاع أن المتاع مما يُضمن إذا ضاع ما تحملا ضمِنا، ووجب عليهما عمله، والبير مما لا يُضمن، فلم يجب على الصحيح حفرُ نائب المريض، فصار متطوعاً بالحفر‏.‏

قال اللخمي‏:‏ إذا مرض أحدهما، أو مات، أو غاب فعلى الآخر جميع العمل كان في الذمة، أو على أعيانهما؛ لأنهما اشتركا على ذلك، وعليه دخل مستأجرهما؛ لأنه ربما جالت أيديهما في عمل الشيء الواحد بخلاف غير الشريكين إذا كانت الإجارة على عمل رجلٍ لا يضمن أحد عنه ذلك العمل‏.‏ ولو أجَّر رجلان أنفسهما في عمل شيء بعينه، أو كانت الإجارة في الذمة لا يلزم أحدهما أن يُوفي عن الآخر بخلاف الأول؛ لأنهما متفاوضان، ويلزم أحدهما ما يلزم الآخر‏.‏ وإذا عقدا في الصحة ثم حدث مرض خفيف، أو طويل، أوغاب أحدهما ‏(‏‏(‏قريباً‏)‏‏)‏ أو بعيداً فعلى الصحيح والحاضر القيام بجميع العمل‏.‏ وكذلك إذا عقد الإجارة على شيء في أول المرض ثم برئ قريباً، أو بعيداً، أو في سفر أحدهما إلى قُرب ثم رجع عن قرب أو بُعد، فعلى الصحيح والحاضر القيام بجميع العمل‏.‏ هذا في حق الذي له العمل، وكذلك في المسمَّى الذي عقدا عليه هو بينهما نصفان‏.‏ وإن طال المرض، أو السفر رجع على صاحبه بأجرة المِثل، وإلا فلا جريا على العادة‏.‏ ولو اشتركا على عدم التراجع في الكثير فسدت؛ لأنه غرر‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ ما تقبَّل أحدُ شريكي الصنعة لزم الآخر عمله وضمانُه، يؤخذ بذلك وإن افترقا؛ لأنه عقد الشركة‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ تجوز شركة المعلمين في مكتب واحد لا موضعين، والأطباء إن اشتركوا في ثمن الدواء، ولا يشترك الحمَّالان على رءوسهما، ودوابهما لافتراقهما إلا أن يجتمعا في شيء بعينه إلى غاية فيجوز على الرءوس، أو الدواب‏.‏ وإن جمعا دابتيهما على أن يُكرياهما، والكراء بينهما امتنع؛ لأنه قد يُكري أحدُهما دون الآخر، فهو غرر‏.‏ وكذلك على رقابهما‏.‏ وقد تختلف الغايات إلا فيما يفترقان فيه فيجوز لعدم الغرر‏.‏

قال ابن يونس‏:‏ لايكون علمهما من الكسب بقدر علمه لاستوائهما فيما يعلِّمانه الصبيان‏.‏ قال اللخمي‏:‏ لا يشترك طبائعي، وجوائجي، ولا أحدهما، وكحّال؛ لأن الاختلاف غرر من غير رفق معتبر، ويصير كسبٌ بكسب، ويجوز طبائعي كحّال مع كحّال إذا اختص الطبائعي بما يدخل من قبل الطبائع، وإلا لم يَجُز، ويمتنع طبُّهما واحد، وحصتهما من الكسب مختلفة‏.‏ وكذلك لا يختلف رأس المال‏.‏

وشركة المعلمين جائزة إن اتَّحد صنف ما يعلمانه، فإن كان أحدهما قرآناً، والآخر نحواً، أو غيره امتنع لعدم التعاون، وإن كانا يعلِّمان القرآن، ويزيد أحدهما نحواً، أو حساباً، وتعليم الزائد في ذلك الموضع تبعٌ لا يُزاد لأجله في الأجرة‏.‏ وكذلك إن كان يسيراً، وإن كان له قدر امتنعت الشركة إلا أن يختص صاحبه بأجرته‏.‏

وإذا لم تكن الدواب مشتراة تمتنع؛ لأنه يريد راحة دابته، ويحمل على دابة شريكه‏.‏ وإن اشتركا فيهما جازت اتفق الحمل أم لا؛ لأن صحبة أحدهما الدابة، وجلوس الآخر تبعٌ‏.‏ قال ابن حبيب‏:‏ يجوز ذلك، وإن افترقا في البُلدان، وإن بعُد أحد الموضعين، وقرب الآخر‏.‏ وإن كانت الدواب لأحدهما، فاستأجر الآخر نصفها ليحمل عليها بإجارته جاز؛ لأنه يجوز أن يستأجر دابة ليواجرها مع إمكان تيسر إجارتها، وتعسرها، ولا تفسد الإجارة لذلك، وكذلك إن استأجراها جميعاً من ثالث ليشتركا في منافعها وإيجارها إذا عقدا الإجارة عقداً واحداً، وإن استأجر كل واحد دابة لنفسه امتنع‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ تجوز في الاحتطاب، والاحتشاش، وأن يحملا على رقابهما ثمار البرية أو دوابهما إذا كان جميع ذلك من موضع واحد، وإلا فلا‏.‏ وفي صيد السمك، وغيره، ولا يفترقان؛ لأنه تعاونٌ يُضطر إليه‏.‏ ولا يشتركان بالكلبين إلا أن يملكا رقابهما، ولا يفترق الكلبان، أو البازيان في طلب ولا أخذ‏.‏ قال اللخمي‏:‏ إذا اشتركا في الكلاب والبُزاة جاز، وإن افترقا في الاصطياد؛ لأن البازي كرأس المال، فأشبه الاشتراك في الأموال فيجوز الافتراق‏.‏ وإن لم يشتركا بالبزاة جازت إن اجتمعا ليتعاونا وإلا فلا‏.‏ لأنه بيع كسب بكسب، وإن صادا بالنبل ويرسلان سهميهما معا جازت وإلا فلا، وتجوز بالشباك إذا طرحاها مرة واحدة على السمك، وكذلك إن نَصَبَ هذا مرةً، وهذا مرة للضرورة، ويمتنع مع عدم الضرورة‏.‏ وكذلك يجوز في الاحتطاب، وإن لم يجتمعا في موضع البيع إذا اجتمعا في الاحتطاب‏.‏ وإن افترقا في الأصل امتنع، وإن اجتمعا في حمل ذلك، أو بيعه؛ لأنه في الأول عمل بعمل، وفي الثاني كسب بكسب إلا أن يكون الكسب والاحتطاب في موضع، ويشترط أحدهما على الآخر البيع في موضع كذا على بعد، والآخر على قرب فيمتنع‏.‏ وما وجد قيمته بينهما على السواء، ويرجع من أبعدَ على صاحبه بأجرة المِثل فيما عمل‏.‏ ومنع ‏(‏ش‏)‏، و‏(‏ح‏)‏ الشركة في الاحتطاب، والاصطياد، وسائر المباحات؛ لأن الشركة تبعٌ للوكالة، والوكالة في المباح تمتنع‏.‏ وجوابه‏:‏ بل الوكالة للرفق، وهو حاصل‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ تجوز في حفر القبور، والمعادن، والآبار، وعمل الطين، وقطع الحجارة إذا لم يفترقا خلافاً ‏(‏ش‏)‏، وتمتنع في موضعين هو أو هذا في غار، وهذا في غار للغرر، وإن مات أحدهما بعد إدراك النيل، فالسلطان يُقطعه لمن يرى، والمعادن كلها سواء النقدان، وغيرهما‏.‏

في التنبيهات‏:‏ قال سحنون‏:‏ الإقطاع بعد النيل، وموت العامل إن لم تكن سنة، فلا ينبغي، وقال غيره‏:‏ لعله يريد في الكتاب إذا لم يدرك نيلاً‏.‏ وقال أشهب‏:‏ النيل لوارث العامل كسائر الحقوق، وإن لم يدركه‏.‏ وقال‏:‏ غيره إن قدر ورثته على عمل، فهم أحق‏.‏ وفي النكت‏:‏ قال الشيخ أبو الحسن‏:‏ معنى ما في الكتاب أنهما أخرجا النيل، فاقتسماه، وليس للوارث التمادي على العمل إلا بقطيعة من الإمام‏.‏ وكره مالك طلب الكنوز في قبور الجاهلية لقوله عليه السلام‏:‏ لا تدخلوا على هؤلاء المعذَّبين إلا وأنتم باكون، فإن لم تكونوا باكين، فلا تدخلوا عليهم‏.‏ أو خشية مصادفة قبر نبي، أو رجل صالح، وأجازه ابن القاسم، واستخف غسل ترابهم‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ تجوز بعرضين مختلفين، أو متفقين، أو طعام، وعرض على قيمة ما أخرج كل واحد يومئذ، وبقدره الربح والعمل خلافاً ‏(‏ش‏)‏ في تخصيصه بالنقدين‏.‏ وإن اتفق قيمة العرضين المختلفين، وعرفا ذلك عند العقد، واشتركا بهما جاز؛ لأنه بيع لنصف هذا بالنصف الآخر‏.‏ فإذا قوّما، وأشهدا جاز، وإن لم يذكرا بيعاً‏.‏ ولو اشترطا التساوي في الشركة بالسلع، فلما قوماً تفاضلت القيم، فإن لم يعلما أخذ كل واحد سلعته، وبطلت الشركة، فإن فاتت السلعتان، وعملا على ذلك، فرأس مال كل واحد ما بيعت به سلعته، وبقدر ذلك الربح والخسارة، ويرجع من قلَّ ماله بفضل عمله على صاحبه، ولا يضمن صاحب السلعة القليلة فضل حصة صاحبه؛ لأن فضل سلعته لم يقع فيه بينهما بيع‏.‏ ومتى وقعت فاسدة، فرأس مال كل واحد ما بيعت به سلعته لا ما قُوِّمت، والربح يُقسم على قدر ذلك‏.‏ والصحيحة رأس مالهما‏.‏ ما قوًّما به يوم اشتركا دون ما بيع به لصحة العقد أولاً، فصار كل واحد باع نصف عرضه بالنصف الآخر حينئذ، والفاسدة لم يَبعهُ ما يوجب ضماناً‏.‏

في التنبيهات‏:‏ لا يختص الفوات في الفاسدة بالبيع، بل بحوالة الأسواق كالبيع الفاسد؛ لأنها بيع‏.‏ وفي النكت‏:‏ إن جهلا ما بيعت به السلع رُجع للقيمة يوم البيع بخلاف الفاسد إذا قُبض؛ لأن أيديهما على السلعتين، ولم يجعل لكل واحد ثمن السلعة التي اشتُريت بما له في الشركة بالدنانير من عند هذا، وبالدراهم من عند هذا، وجُعل لكل واحد هاهنا ثمن سلعته؛ لأن الدراهم، والدنانير قد فات الأمر فيهما لما تصرفا فيهما بالشراء، والعرضان لم يحصل فيهما فوت؛ لأن ثمنهما معلوم، وبيد كل واحد سلعته‏.‏

قال اللخمي‏:‏ إذا اشتركا والقصد بيع بعض أحدهما ببعض الآخر، ولا يتحريان الأثمان إذا بيعا فجائزة، وإن كان فيهما تغابُنٌ من فضل أحدهما على الآخر، أو القصد تحري أثمانهما جازت على أن لكل واحد قيمة سلعته‏.‏ وإن اشتركا على المساواة، والقيم مختلفة امتنع‏.‏ وحينئذ لكل واحد ما بيعت به سلعته؛ لأن للشريكين أن يتصرفا، فقبض المشتري كلا قبضٍ، وقيل ذلك قبض، وقاله مالك فيما إذا أخرج أحدهما ذهباً، والآخر فضة، فإن الشركة صحيحة، والقبض صحيح تصح به المُتاجرة في الصرف‏.‏ وعلى هذا قبض كل واحد سلعة صاحبه يضمنه نصف قيمتها يوم قبضها، ويصير ما يجري بينهما نصفين‏.‏ وإن باع السلعة قبل قبضها، فهل بيع المشتري كالقبض يوجب عليه نصف القيمة، ويكون له نصف الثمن، أو ليس بقبض، والثمن لمن كانت له السلعة، وإن باع كل واحد سلعة نفسه قبل قبضها منه، أو بعد قبضها، وقبل وقوعها عند القابض بحوالة الأسواق أو جسم، فالثمن له دون الشريك، وإن كان بيعه لها بعد القبض، والفوت بتغير جسم أو سوق فالثمن بينهما، وعلى كل واحد نصف قيمة سلعة صاحبه‏.‏ وإن قبض أحدهما سلعة صاحبه ثم باعهما جميعاً، فثمن سلعته له، وثمن سلعة صاحبه بينهما، وعليه لصاحبه نصف قيمتها‏.‏ فإن تجرأ بعد ذلك، فالمشتري بينهما على قدر ذلك لأحدهما بقدر ثمن سلعته، ونصف ثمن سلعة صاحبه، وللآخر قدر نصف ثمن سلعة صاحبه‏.‏

فإن أخرج أحدهما عروضاً، والآخر عيناً، أو حيواناً، أو طعاماً جازت إن اعتدلت القيم، وإن اختلفت امتنع على المساواة في القيم، فإن ترك ذلك فكما تقدم في العرضين‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ تجوز بالعروض المماثلة، والمتقومة من صنف، أو صنفين إذا اتفقت القيم، وبطعام ودراهم، وبعين وعرض إذا اتفقت القيم، وبقدر ذلك الربح، والعمل‏.‏ وتمتنع بالطعام، والشراب كان مثلياً أم لا صنف واحد أم لا عند مالك‏.‏ وأجاز ابن القاسم المتفق الصفة، والجودة على الكيل‏.‏ قال‏:‏ ولا أعلم للمنع وجهاً‏.‏ ويمتنع سمراء، ومحمولة، وإن اتفقت القيم كما تمتنع بدراهم، ودنانير تتفق قيمتاهما؛ لأن مع التماثل يكون القصد الرفق بالشركة، ومع الاختلاف يُتوقع القصد للمبايعة مع عدم المتاجرة‏.‏ وإذا وقعت فاسدةً بالطعام، فرأس مال كل واحد ما بيع به طعامه إذ هو في ضمانه حتى يُباع‏.‏ ولو خلطاه قبل البيع، فقيمة كل واحد يوم خلطا‏.‏

وتجوز بدنانير، أو بدراهم منهما مُتفقة النفاق، والعين، والربح، والوضيعة، والعمل على ذلك، وإلا امتنع للغبن، والغرر‏.‏ فإن نزل فالربح والخسارة على قدر رءوس الأمول‏.‏ وكذلك لو لحقهما دين من تجارتهما بعد أن خسرا المال كله، ويرجع من له فضل عملٍ على صاحبه، ويبطل الشرط، ولا يضمن قليل المال لصاحبه، وما فضله به؛ لأنه ليس بسلف؛ لأن ربحه لربه‏.‏ ولو صح عقد المتفاوضين في المال، فتطوع صاحب الأقل بالعمل في جميع المال جاز، ولا أجرة له‏.‏ في النكت‏:‏ منع مالك الطعام؛ لأن كل واحد باع نصف طعامه بنصف طعام صاحبه، ويد كل واحد على ما باعا، فإذا تصرفا، وباعا كان بيع الطعام قبل قبضه، وبيع الطعام بالطعام إلى أجل؛ لأن يد كل واحد على طعامه‏.‏ والفرق بينه وبين الدنانير، والدراهم أنها مستوية في المقاصد، فلو كان فيها شيء له فضل امتنعت به الشركة إذا ضُمَّ إلى ما ليس مثله‏.‏ والشركة لا بد فيها من الاستواء في الصفة، والقيمة، وهو متعذر في ذلك، بل الغالب الاختلاف في الطعام، وإنما يغرم المُتلف المِثل للضرورة بخلاف الشركة‏.‏

قال بعض القرويين‏:‏ تجوز على مذهب ابن القاسم الشركة بالطعام المختلف يسيراً كما جازت يزيدية، ومحمدية مختلفة النِّفاق شيئاً يسيراً‏.‏ قال ابن يونس على تعليل النكت‏:‏ الأول يلزُم جوازها بالطعامين المختلفين اللذين يجوز التفاضل بينهما إذا استوت القيمة، وقد منعه مالك، وابن القاسم بالعلّة الأخرى هي الحق‏.‏ قال سحنون‏:‏ كيف يلحقهُما دينٌ بعد خسارة المال، وهما لايشتريان بالدين‏.‏ قال‏:‏ ولكنهما اشتريا علىالمال الذي بأيديهما فتلف قبل دفعه في الثمن ثم تلفت السلعة‏.‏ قال محمد‏:‏ فإن أخرج أحدهما مائة، والآخر مائتين على أن الربح بينهما على قدر مال كل واحد منهما، فاشتريا بأربع مائة على أن يَنقُدا ثلاثمائة، وتبقى مائة ديناً عليهما فيقتسمان ربح المائة، ووضيعتها على قدر ماليهما، وإن كانت الشركة فاسدة؛ لأنهما اشتركا على أن الربح والوضيعة نصفان، ولصاحب الثلث أجرته فيما فضله به صاحبه‏.‏ وإن علم البائع أن شركتهما على الثلث، والثلثين تبعهما كذلك، وإلا اتبعهما نصفين‏.‏

قال مالك‏:‏ ولو أشركه وأسلفه بقية المال طلباً لرفقه، وصلته جاز، وإن كان بعد صحة العقد، ومن غير عادةٍ جاز؛ لأنه معروف‏.‏ ومن ابتاع سلعة، فقال له‏:‏ أشركني وأنا أنقد عنك، امتنع؛ لأنه بيع وسلف‏.‏ ولو قال المشتري لرجل‏:‏ تعالَ اشترِ لك، وأنقد عنك، وأؤجرك، والسلعة حاضرة جاز بخلاف المضمون؛ لأنه دين بدين‏.‏ وإن سألك أن تُشركه، وينقد عنك قبل عقد البيع جاز؛ لأن قبل عقد البيع لا يَجُر بنقده نفعاً‏.‏

قال اللخمي‏:‏ للشركة بالطعام أربعة أحوال‏:‏ إما صنفٌ بعضه أفضل أولاً، أو جنس كقمح، وشعير، أو جنسان كقمح، وتمر، وفي كلها خلاف‏.‏ وفي المقدمات لو اشتركا بما يمتنع فيه النساء كالدينارين، والطعامين منع ابن القاسم لاجتماع علتين النّساء، وبيع، وصرف، وعدم المناجزة، وأجازه سحنون وأحد قولي مالك‏.‏ أما ما يجوز فيه النّساء كصنفين من العروض، أو العروض وأحد النقدين أجازه ابن القاسم لانفراد إحدى العلتين، وهي البيع، والشركة، وأشار للمنع تارة للبيع، والشركة، ولم يراع سحنون البيع، والشركة أصلاً إذا كان البيع داخلاً فيها، فإن خَرَج مُنِع‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ تجوز بالمال الغائب إذا أخرجا غيره لتحقّق الشركة، فإن أخرج ألفاً، والآخر ألفاً نصفُه غائب، فخرج ليأتي به، ومعه جميع الحاضر، فلم يجد الغائب، فاشترى بما معه، فله ثلث الفضل؛ لأنه الذي تحقّق، ولا يرجع بأجر في فضل المال كشريكين على التفاضل يتطوع أحدهما بالعمل‏.‏ وفي النكت‏:‏ قيل إنما تجوز بالمال الغائب عند ابن القاسم إذا لم يكن بعيداً جداً، ويمتنع عند سحنون، وإن قرب‏.‏ وإنما تجوز عند ابن القاسم إذا لم يَّتجر إلا بعد قيض الغائب، ولا غرر، وإلا فتمتنع للغرر‏.‏

قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ إن تبين أن ذكر الغائب خديعةٌ، فله ربح ماله، وإلا فله النصف، ولا أجرة له على كل حال‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ إنما يصح هذا إذا اشترى بالحاضر قبل علمه، فضاع الغائب؛ لأنه اشترى على أن ذلك بينهما نصفان، وعلى أن ضياعه منهما‏.‏ أما لو اشترى بعد علمه بضياع المال الغائب فلا؛ لأن الشركة لم تقع بعد؛ لأن ضمان الدنانير الغائبة من ربها ما لم تقبض‏.‏ بل لو اشترى بها فهي في ضمان بائهما فكيف الشركة‏؟‏ وظاهر الرواية شراؤه بعد علمه بذهاب المال‏.‏ وعند سحنون‏:‏ الشركة فاسدة لغيبة نصف الألف، وله أجرة مثله في الزيادة؛ لأنه ليس متطوعاً؛ لأن الشركة عنده لا تتم إلا بالخلط‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ دنانير هاشمية، والأخرى وزنها دمشقية، أو دراهم يزيدية، والأخرى وزنها محمدية، وصرفهما مختلف تمتنع إلا في الاختلاف اليسير؛ لأن التساوي في المقدار، والقيم شرط نقياً لضياع المال بالباطل‏.‏ ويمتنع الربح والعمل بينهما بقدر فضل السكتين؛ لأنهما صرفاها إلى القيم، وحكمُهما الوزن‏.‏ فإن استويا يوم العقد لا يوم الافتراق اقتسما بالسوية عرضا كان أو طعاماً أو عيناً نظراً للعقد‏.‏ ويمتنع دراهم، ومن الآخر دنانير؛ لأنه صرفٌ، وشركة، ولا يجوز مع الشركة صرف، ولا قراض، ولأنهما لا يقومان‏.‏ فإن عملا فلكل واحد مثل رأس ماله، والربح لكل عشرة دينار، ولكل عشرة دراهم، وكذلك الوَضيعة‏.‏ وكذلك إن عرف كل واحد السلعة التي اشتُريت بماله إن عرفت، ولا شركة في السلعة الأخرى‏.‏ وإن تفاضل المال، فلأقلِّهما مالاً أجرة معاونة الآخر‏.‏ وإن لم تُعلم السلع فالربح والخسارة بينهما على قيمة الدراهم من الدنانير يوم اشتركا، ولأقلهما مالاً أجرة معاونة صاحبه‏.‏

قال ابن يونس‏:‏ قوله إذا جعلا العمل والربح بقدر فضل ما بين السكتين امتنع إذا صرفاها على القيم، وحكمُها الوزن في البيع والشركة‏.‏ قال‏:‏ فإن نزل أخذ كل واحد مثل رأس ماله بعينه في سكته، وله من الربح بقدر وزن رأس ماله لا على السكتين، وقاله مالك‏.‏ قال بعض القرويين‏:‏ لعل محمداً يريد إذا لم يختلف السوق، والسكتان من يوم الشركة على يوم القَسم، وإلا فيظلم أحدهما إذا أُعطي مثل رأس ماله، وفضتُه أفضل مما كان دفع‏.‏ قال بعض القرويين‏:‏ ما قاله غير ابن القاسم في أن يكون لكل واحد السلعة التي اشتُريت بماله صواب، وهو الجاري على أصل ابن القاسم؛ لأن الشركة الفاسدة لا يضمنُ أحدهما لصاحبه فيها شيئاً كما إذا اشتركا بعرضين مختلفين في القيمة، فباع أحدهما عرض صاحبه، فإنه قال‏:‏ لا يضمن، وثمن ما بيع به عرضه له، وبه يكون شريكاً إن عملا بعد ذلك‏.‏ وكذلك إذا اشتريا بالدنانير، والدراهم عرضاً‏.‏ وقوله إذا لم يُعرف يُنظر إلى قيمة الدنانير، والدراهم فيقسم ما بأيديهما على ذلك صواب؛ لأنه قد اختلف الثمن، فأشبه الطعامين إذا اختلطا‏.‏ وفي القسمة نظرٌ في قول ابن القاسم؛ لأنه إذا استوت قيمة الدنانير يوم القسم، فأعطيناه مثلها انظر صاحب الدراهم‏.‏ وكذلك إن زادت قيمة الدراهم، فأعطيناه مثلها انظر صاحب الدنانير فينبغي أن يكون ثمنها بينهما نصفين‏.‏ وإنما لا يجوز صرفٌ وشركة إذا كان خارجاً عن الشركة، وأما فيها فيجوز‏.‏ وعن مالك جواز هذا دنانير، وهذا بقيمتها، رواه ابن القاسم، وروى ابن وهب كراهيته‏.‏ قال محمد‏:‏ وإجازتُه غلطٌ؛ لأنه صرفٌ مع بقاء كل واحد على نقده‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يجوز هذا ذهب وفضة، والآخر مثله‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا صرَّ كل واحد ماله على حدة، وجعلاهما عند أحدهما، فضاع أحدهما هو منهما، ولو بقي مال كل واحد بيده، فضمانه منه حتى يخلطا، أو يجعلاهما عند الشركة، والذهب من صاحبه لعدم العقد شرعاً‏.‏ وإن بقيت كل صرة بيد صاحبها حتى ابتاع بها أمة للشركة، وتلفت الصرة الأخرى والمالان متفقان، فالأمة بينهما، والصرة من ربِّها بعد العقد فيها، وشراء الأمة بقصد الشركة مع الإذن‏.‏ وقال غيره‏:‏ لا تنعقد الشركة حتى يخلطا‏.‏ قال ابن القصار‏:‏ فمالكٌ يقول‏:‏ لابد أن يكون نوعاً واحداً، ولا يتميز‏.‏

لنا على ‏(‏ح‏)‏ أن الشركة الاختلاط، فإذا لم يخلط لم يحصل مُسمَّى الشركة‏.‏ والشركة كما تحتاج للقول تحتاج المال؛ لأنه لو كان لأحدهما فقط المال لامتنع، ولأنه يمتنع لأحدهما جملٌ، وللآخر حمار يعملان به على الشركة، فكذلك هاهنا‏.‏

ولنا على ‏(‏ش‏)‏ في جواز الدراهم البيض مع السود صدق المسمى بذلك كما لو اختلطا بعرضين بأن يبيع كل واحد نصف عرضه بنصف عرض الآخر‏.‏ والفرق بين صورة النزاع، وبين أحدهما دراهم، والآخر دنانير قرب اتحاد الجنس فيكون مقصودهما الشركة، وثم يُرجح قصد الصرف‏.‏

احتج بأن في النوع الواحد تتحقق الشركة، وبالنوعين يبقيان متميزين، فلا تتحقق الشركة‏.‏

وجوابه‏:‏ المنع‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال سحنون‏:‏ إذا اشترى كل واحد بصرته سلعةً قبل الخلط، فلكل واحد ما اشتراه له ربحه، وخسارته‏.‏ وكذلك لو تلفت صرته حتى يجمعا المالين، أو الصرتين في خرج أحدهما، أو في يده‏.‏ وقيل إذا كانت صرة كل واحد بيده، فتلفت إحداهما، فاشترى أمة بعد التلف عالماً به خُيِّر شريكه في شركته فيها، أو تركها له إلا أن يدعي شراءها لنفسه‏.‏ وإن لم يعلم بالتلف، فهي بينهما كشرائها قبل التلف في الصرة الأخرى، وهو أصل ابن القاسم‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ لأحدهما حَمَام ذكر، وللآخر أنثى على أن ما أفرخا بينهما أجازه مالك؛ لأنهما يتعاونان في الحضانة، ولأحدهما بيضٌ يجعله الآخر تحت دجاجته، والفراخ بينهما، فالفراخ لصاحب الدجاجة، وعليه لصاحب البيض مثله كمن جاء بقمح ليزرعه في أرض بينكما فإنما له مثله، والزرع لك‏.‏ قاله مالك‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ تمتنع شركة الوجوه، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وجوزها ‏(‏ح‏)‏‏.‏ قال بعض العلماء‏:‏ مثل أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون له نصفه‏.‏ وقال القاضي أبو محمد‏:‏ هي أن يشتريا علىالذمم بغير مال، ولا وضيعة حتى إذا اشتريا شيئاً كان في ذممهما، فإذا بيع قسما ربحه، وهي باطلة في جميع ذلك عندنا، وفسره الشافعي بأن يشاركه على أن يُربحه فيما يشتريه بوجهه أي بجاهه في الذمة، أو يقول له اشترِ على جاهي، والربح بيننا، أو يقول عليَّ أن أشتري أرضاً، وتبيع أنت؛ لأني بالشراء أعرف، وعند التجار أوجه‏.‏

لنا‏:‏ أن الأصل عدم مشروعيتها، ولأن حقيقة الشركة أن يشتركا في شيء عند العقد إما مال، أو بدن، ولا واحد منهما‏.‏ ولا يكفي القول في الشركة؛ لأنهما لو جعلا الربح كله لأحدهما امتنع، ولأنها أكل المال بالباطل، وأخذ الربح بغير سبب شرعي‏.‏

احتج بالقياس على شركة الأبدان، وبقوله تعالى‏:‏ ‏(‏أوفُوا بالعُقود‏)‏ وبقوله عليه السلام‏:‏ المؤمنون عند شروطهم، ولأنها تنعقد على الوكالة بالشراء للآخر، وهي تجوز حالة الانفراد، فتجوز حالة الاجتماع‏.‏

، والجواب عن الأول‏:‏ أن البدن، والصنعة كالعين الموجودة بخلاف الوجوه، وعن الثاني والثالث‏:‏ المعارضة بنهيه عليه السلام عن الغرر، وهذا غرر، وعن الرابع‏:‏ منع هذه الوكالة على الانفراد لأن الذي يشتريه أحدهما يجوز أن يشتريه الآخر، ومثل هذا في الوكالة لا يجوز، وإنما يجوز ذلك في الشركة لوجود الرفق المنفي هاهنا‏.‏ ثم نقول الفرق بين هذا، وبين الوكالة أن هاهنا اشتراه لنفسه، ولشريكه، وذلك لموكله، وهاهنا اشترى من غير نية الوكالة‏.‏

قال الشافعية‏:‏ وإنما تصح شركة الوجوه إذا أذن كل واحد لصاحبه في التصرف، وأن يميز الجنس المشترى فقط، تخطر له الأشياء المحقة فيشتري العالية، وأن يذكر القدر المشترى إليه‏.‏